طلال سلمان
عن جريدة السفير
31/ 1/ 1986
الجديد, انت انت القائد و القيادة, الشاهد و الشهادة, انت انت المريد و الارادة, تقدم فليس الى الخلف الا الهزيمة, و ليس الى الامام الا النصر للقادر على دفع ضريبة النصر.
***
ناصر ابراهيم عبد العزيز :
اسم فتى بالكاد بلغ العشرين ربيعا من اربد في الاردن, نسيا منسيا كان, و كأي منا, نحن المائتي مليوننا من عرب زمن الردة و التردي.
لكنه تركنا, نأكل و نشرب و ننام و نتناسل ثم نقوم فنذهب لنغرق في التفاهات النهارية قبل ان نعود لننام من جديد … تركنا و مشى, خلع انتسابه الى النظام و الهزيمة, حمل بندقيته و مشى, وصل الى النهر فشرب و اغتسل متطهرا مما علق بجسمه و ذهنه و عقله من ادران و اوبئة و وصايا التعقل و ضرورة الابتعاد عن التطرف و الجنون, ثم عبر النهر و اكمل مشواره الى حيث التقاهم, و كانوا جميعا هناك : الملوك, السلاطين, الامراء, الجنرالات المزينة صدورهم بأوسمة المجاملة و الزيارات الودية, القادة و الرؤساء الذين ورثوا السادات فحاولوا عبثا اكمال ما بدأه… و ببساطة شديدة, و على طريقة نزيه قبرصلي و بلال فحص و حسن قصير و سناء محيدلي و سليمان خاطر أخذ يطلق الرصاص و يطلق حتى يموت الجميع, و رآهم يتهاون واحدا واحدا, فلما اطمأن انغرس شجرة أصلها في الارض و فرعها في السماء.
***
ناصر ابراهيم عبد العزيز
تعجل ربيعه الحادي و العشرين فمشى اليه بدمه.
الى الخلف, كان “الملك” و “القائد العام” مستغرقين في مناقشة امور التفاوض و التنازلات المطلوبة من اجلة التسوية غبى قاعدة الارض العربية مقابل السلام “الاسرائيلي”.
و لم يكن يعنيه ان يعرف هل اتفق “سيدنا” مع “الختيار” ام انهما اقتربا من الاتفاق, و هل تطابقت و جهات النظر ام لا تزال بحاجة الى المزيد من الاتصالات المكثفة, و من المشاورات و المباحثات المباشرة و الغير مباشرة, عبر مورفي او ملك اليونان المخلوع, مع شيمون بيريز و سائر الغاصبين.
كان يعرف اشياء اخرى مغايرة تماما, بينها ان الارض اغلى من التاج, بل ان كثيرا من التيجان قد دفع ثمنها من ارضنا و من حقنا في يوم اضل و غد افضل, و ان السلام الحقيقي تصنعه بندقية المقاتل من اجل التحرير و ليس براعة المفاوض في اخفاء حجم تفريطه بما يحرم الله و عباده التفريط به.
***
ناصر ابراهيم عبد العزيز
وردة جديدة تنبثق في صحراء الرماد التي نكاد نتوه فيها و نضيع و ننسى اسماء ابنائنا و تاريخ اهلنا الذين يشكلون اديمها المقدس.
و بعد وردة اكياد , و الوردة التونسية التي وئدت و اغفل حتى اسمها, هذه وردة تشق جدار الصمت في الاردن لتقول ان ارادة الحية هي الاقوى و الابقى, و ان عشق الارض لا تقمعه الدبابات و لا المخابرات مهما تعاظمت, خبراتها المدمرة.
و بالنسبة الينا في بيروت المحاصرة و المعلقة على صليب آلامها في انتظار الخلاص, فان ناصر ابراهيم عبد العزيز كان اشبه بطوق نجاة, اعطانا فرصة تنفس, خارج المستنقع الطائفي الآسن الذي حبسنا فيه الحاكم الكتائبي و كتائبيو الطوائف الاخرى.
و سنخرج من المستنقع.
و ستزهر حقول الورود و الياسمين و النرجس لتعود بيروت ما كانته: اميرة عربية تنتظر خطيبها الاسمر الحامل اليها مهرها راية مرفوعة على سن رمحه من اجل التحرير و ليس في حافظة نقوده السمينة.