تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » كيان الاحتلال بين البقاء والزّوال

كيان الاحتلال بين البقاء والزّوال

عمر معربوني – كاتب وباحث في الشؤون العسكرية خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

بعد مرور 20 عاماً على دحر جيش الكيان الصهيوني من جنوب لبنان والبقاع الغربي يبدو المشهدُ مختلفاً وأكثر حرجاً لقيادة الكيان حيث الإخفاقات المتتالية تسيرُ بسرعةٍ في بنيته، ما فرضَ منذ الخروج القسري في 25 أيار على الجيش الذي لا يُقْهَر توجّهات مغايرة لتلك التي كانت قائمة حتى لحظة الاندحار، طالت عقيدة الجيش وإستراتيجيات المواجهة المختلفة التي تَتِمّ عنوَنتها منذ تقرير ” فينوغراد ” بعد مواجهة 2006 بِمُسَمَّى تحوُّلات وخصوصاً بما يرتبط بالعقيدة القتالية للجيش التي باتت تعتني وَتَهْتَمّ أكثر بالجبهة الداخلية وهو ما ظهر واضحاً وجليّاً في تسمية المناورات العسكرية التي باتت تحمل اسم تحوُّل ضمن سلسلة بدأت بالرقم 1 وتستمر حتى اللحظة.

إن عنوَنة هذا المقال بـ ” كيان الاحتلال بين البقاء والزوال ” ليس مجرّد تجميل لغوي للعنوان بقدر ما هو توصيف لحقيقة الأزمة البنيوية التي يعيشها الصهاينة قيادة ومجتمعاً والتي تأخذ حيِّزاً كبيراً من المناقشات والأبحاث والدراسات داخل الكيان وخارجه.

لا يختلف اثنان أن وضعيّة الكيان بعد اندحاره الأول من لبنان سنة 2000 واندحاره الثاني من غزّة سنة 2005 باتت مختلفة حيث كان لنتائج مواجهة 2006 في لبنان ومن بعدها مواجهات غزّة 2008-2009 و 2012 و2014 أثرٌ كبير طال نمط المعارك وحجمها ونتائجها، حيث فرضت هذه المواجهات على قيادة الكيان وخصوصاً قيادات الجيش وضع أسس مختلفة للمواجهة باتت تركّز أكثر على كيفية التخفيف من تأثير الصواريخ التي باتت تصل الى عمق فلسطين المحتلة من الجنوب (جبهة غزّة) ومن الشمال (لبنان)، وبمعزل عن تأثير هذه الصواريخ من الناحية التدميرية إلا أنها نقلت المعركة إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وحققت خرقاً كبيراً في ناحية تُعتبر أساس بقاء الكيان وهي عامل الأمن والاستقرار .

وقبل الدخول في تفصيل أسباب بقاء أو زوال كيان الاحتلال لا بدّ من التأكيد على عنوان أساسي يشكّل المدخل الرئيسي لفهم هذه الأسباب وهو وظيفية الكيان التي يمكن من خلالها توصيفه بالمخفر المتقدم المزروع في قلب جغرافيا الأمة والذي نشأ خلال ظروف استدعت تناغماً وتماهياً بين مشروع الهيمنة الغربي بقيادة فرنسا وبريطانيا حينها، ومشروع الصهيونية الذي كان يفتش عن أرض لقيام “دولة إسرائيل” التي لم تتبلور ماهيتها وصيغتها حتى اللحظة بشكل نهائي والذي تعكسه طبيعة التناقضات حول العقيدة والدور، فهذا الكيان حتى اللحظة لا يمتلك دستوراً مكتوباً واستعيض عنه بما يسمى بالقوانين الأساسية.

وحول أسباب بقاء وزوال هذا الكيان لا بدّ من الإشارة إلى رؤيتين تحكمان الموضوع وهي الرؤية الدينية وخصوصاً منها الإسلامية التي تؤكد على حتمية الزوال من خلال الاعتماد على مضمون سورة الإسراء واجتهادات أخرى لستُ في صدد التعرض لها ولا الأخذ بها كأمثلة على أهميتها في البعد العقائدي الذي يعني مئات ملايين المسلمين ويلامس أمانيهم، مع التأكيد أن ما جاء في تفسير الآيات والاجتهادات يتناغم مع التحليل العلمي لسياقات التاريخ سوى المسائل والروايات التي اعتنت كثيراً بتحديد وقت الزوال وما إلى ذلك، والسبب في عدم تعرضي لهذه الرؤية عدم تخصصي بهذا المجال وليس انتقاصاً او دحضاً لها والاكتفاء بالإشارة لها كأحد العوامل التي يعتبرها البعض ركيزة في النظرة والموقف والسلوك.
أمّا الرؤية الثانية فهي التحليل العلمي وما أنتجته روح ومسيرة المقاومة المستمرة وما أحدثته من تراكمات ادّت وتؤدي إلى تغيير مستمر في ميزان القوى لمصلحة قوى المقاومة في المنطقة عبر عقود طويلة.

وإن مقاربتنا لأسباب الزوال تعني بالضرورة تأكيد أسباب عدم البقاء انطلاقاً من التحولات الكبرى التي طرأت سواء على مستوى الداخل الصهيوني وتنامي تناقضاته، أو بما يرتبط بصعود قوى المقاومة وتعاظم قدراتها.
وعلى الرغم من حالة الانقسام العربية والإسلامية إلا أن ذلك توازى مع نشوء وترسيخ حالة مقاومة متميزة وصاعدة استطاعت ان تجد لها حواضن شعبية تمتد من اليمن الى فلسطين مروراً بالعراق ولبنان مدعومة من دولتين مقاومتين في سورية وايران وهو ما وصل الى مرحلة تشكّل محور متكامل ومتراص ومؤثر وان كان متباعداً على المستوى الجغرافي بما يرتبط باليمن تحديداً إلا أنّه وصل الى مرحلة الوحدة التامّة في الجانب المرتبط بالإرادة وهي احد عوامل الارتكاز الأساسية والصلبة والتي حسمت الأمور لناحيتي تقدير الموقف المستمر واتخاذ القرارات الحاسمة، هذا المحور الذي انطلق في المواجهة من مباديء ثابتة ومواقف راسخة وسلوك مرن ومتناسب مع طبيعة الهجمة والإمكانيات بحيث بات كتلة ردع غيّرت في ميزان القوى وقواعد الاشتباك ومجمل المواجهة. واذا ما حسمنا ان الكيان الصهيوني هو كيان وظيفي فهذا الأمر ينطبق ايضاً على السعودية وممالك وامارات الخليج التي أصبحت في موقف صعب ومعقد عسكرياً واقتصادياً وستلقى نفس مصير كيان الاحتلال مستقبلاً.

وفي هذا الجانب لا بد من ملاحظة ثلاثة عوامل سيكون لها دور كبير في تسارع زوال الكيان وهي:

أ‌ـ العامل الديموغرافي داخل فلسطين وخارجها وهو لا يسير لمصلحة الكيان الصهيوني اطلاقاً ما سينسف النظرية الأساسية التي اطلقتها الحركة الصهيونية (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) والتي اعتمدت فيها على تهجير الفلسطينيين بالبطش والمجازر وتنظيم الهجرة اليهودية الى فلسطين لتحقيق تفوق العنصر اليهودي عددياً وهو أمر مستمر حتى اللحظة عبر إقامة المغتصبات وعمليات الضم المتتابعة والتي لن تنجح بتقديري بسبب تنامي عدد السكان العرب الفلسطينيين وتصاعد الهجرة اليهودية المعاكسة الى خارج فلسطين لأسباب متعددة أهمها فقدان عنصر الأمان المتصاعد بسبب المقاومة وهو الذي سيكون سبباً لهجرة معاكسة كبيرة عند انطلاق المواجهة الشاملة التي نراها ويراها الصهاينة حتمية، ويترددون في اطلاقها خوفاً من عدم تحقيقهم للنصر، ونؤجل حدوثها لاستكمال عناصر الغلبة ولا نخشاها حتى لو حدثت غداً.

ب‌ ـ العامل العقائدي الذي يترسخ يوماً بعد يوم لدى كل من يعتبر فلسطين قضيته باعتبارها قضية حق ومقدسات وقضية أخلاقية وإنسانية مقابل تراجع كبير لدى اليهود الذين قدموا الى فلسطين مؤمنين بـ “أرض الميعاد” وما واكبها من بعد تلمودي للتأثير في الجانب العاطفي والتاريخي، إضافة الى تقلص عدد الراغبين في الهجرة الى فلسطين وهو ما سيكون له تداعيات إيجابية على الروح القتالية للفلسطينيين مقابل تدني هذه الروح لدى الصهاينة.

ج‌ ـ عامل التكنولوجيا وهو العامل المرتبط بالتكافؤ العلمي الذي كان العدو متفوقاً في مجالاته كافة نظراً لامتلاكه الدعم اللامحدود علمياً ومالياً من اميركا والغرب وحصرية امتلاك التكنولوجيا وأدواتها إلى اللحظة التي بدأت فيها الصين باوسع نشر للتكنولوجيا الرخيصة والموازية بكفاءتها للتكنولوجيا الغربية ناهيك عن تحول ايران في السنوات ال 15 الأخيرة الى دولة من دول النانو تكنولوجي وهو ما كان له الأثر الكبير في تطوير أساليب وأدوات المواجهة على المستويين الإعلامي والعسكري بشكل أساسي حيث ارتفعت قدرات محور المقاومة اعلامياً من خلال الاستخدام الواسع للفضاء والمواقع الإلكترونية والفضائيات والإذاعات وغيرها، في حين ان امتلاك التكنولوجيا أتاح لمحور المقاومة تطوير بنيته وادواته القتالية وخصوصاً الصواريخ الدقيقة وغيرها من أدوات القتال.

واخيراً لا بدّ من التأكيد ان التحرير سنة 2000 كان بداية مرحلة جديدة حفّزت الشعب الفلسطيني على تطوير المواجهة في غزّة ونقلها الى المستوى العسكري واتاح لباقي المقاومات البدء بمرحلة تطوير كبيرة للقدرات لا تزال مستمرة وستستمر حتى وقوع المواجهة الشاملة الحتمية في ظل العوامل والظروف التي اشرت اليها أعلاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي

من النظام الداخلي لحركتنا فتح

القواعد والأسس التنظيمية

مقدمة هيكل البناء الثوري

أخي يا رفيق النضال
إن هذه الحركة وهذا العمل لأمانة وطنية ومسؤولية تاريخية.. فلتحمل الأمانة الغالية.. ولتقدر المسؤولية الخطيرة.. ولتهيئ كل من حولك ولتلهب روح العمل الثوري المنظم في كل نفس عربية مخلصة لفلسطين مؤمنة بتحريرها. ولنروض جميعا نفوسنا على الصبر ومواجهة الشدائد واحتمال المكاره والبذل.. والتضحية.. والفداء.. بالروح والدم.. والدم.. والجهد.. والوقت وهذه كلها من أسلحة الثوار.

لذلك.. لا تقف يا أخي!!
وفي هدوء العاملين.. وصمت المخلصين وفي عزم الثوار.. وتصميم المؤمنين.. وصبر المكافحين.. انطلق سريعا لأن شعبنا بحاجة لكل لحظة من الزمن بعد أن امتدت مأساتنا هذه السنين الطوال. ولتعلم أن عدونا قوي.. والمعركة ضارية ليست قصيرة.. وأن العزم.. والصبر والسرية والكتمان والالتزام بأهداف الثورة ومبادئها يحفظ خطوتنا من الزلل والتعثر ويقصر الطريق إلى النصر.. فإلى الأمام .. إلى الثورة.. وعاشت فلسطين حرة عربية “فتح”

اقرأ المزيد