الكاتب: ماجد الزبدة
المشاهد البطولية التي بثتها المقاومة الفلسطينية لأولى المحاولات الناجحة لإطلاق صواريخ فلسطينية من محافظة جنين شمال الضفة المحتلة باتجاه المستوطنات “الإسرائيلية” تمثل تطورًا لافتًا في قدرات المقاومة الفلسطينية، ونجاحها في نقل الخبرات والتقنيات من غزة إلى الضفة، في خطوة سيكون لها ما بعدها في الأيام والأسابيع المقبلة.
أن تنجح المقاومة الفلسطينية الملاحقة على مدار الساعة في الضفة من جيش الاحتلال وأجهزة “السلطة الفلسطينية” على حد سواء في تأسيس منظومة صاروخية، وتنفذ محاولات إطلاق ناجحة لصواريخ باتجاه مستوطنات الضفة إنما يمثل ضربة كبرى للاحتلال وللمشروع الاستيطاني في الضفة، والأهم أنه يأتي بعد تفويض حكومة الاحتلال للوزير المتطرف الارهابي بتسليئيل سموتريتش بصلاحيات تخوله تسريع التوسع الاستيطاني في الضفة، بمعنى أن مستوطني الضفة عليهم اليوم أن يعيشوا الأجواء التي لطالما عاشها مستوطنو غلاف غزة طيلة العقدين الأخيرين.
مشاهد إطلاق الصواريخ من جنين باتجاه مستوطنات الضفة تأتي بعد عملية عيلي التي نفذها فدائيان فلسطينيان وشكلت ضربة موجهة للمشروع الاستيطاني في الضفة، حيث أسفرت عن قتل أربعة مستوطنين “إسرائيليين” وإصابة آخرين، كما أن تطور قدرات المقاومة اليوم ليس بمنأى عن كمين جنين المُحكم، الذي نجحت المقاومة الفلسطينية من خلاله في استدراج الآليات العسكرية “الإسرائيلية” إلى حقل من العبوات الكبيرة التي أدت إلى حالة ذهول “إسرائيلية”، وأسفرت عن إعطاب سبع آليات عسكرية مصفحة، ومحاصرة عدد من دوريات الاحتلال، بما يشير إلى تطور قدرات الانتشار والرصد الميداني للمقاومة، ونجاحها في اختراق العقل الأمني “الإسرائيلي”، وتوقع مسار التوغل “الإسرائيلي” داخل جنين، والتجهيز السابق للكاميرات لتصوير الآليات العسكرية في أثناء تفجيرها، وهو يؤكد التطور الكبير في قدرات المقاومة، واستخلاصها العبر من تجارب الاشتباكات السابقة مع الاحتلال، وقدرتها على تحقيق نجاحات ميدانية على الأرض في الضفة.
نجاحات المقاومة الميدانية في جنين دفعت جيش الاحتلال لاستخدام طائرات مروحية في قصف عمق الضفة لأول مرة منذ عقدين، بما يشير إلى فشل ميداني لجيش الاحتلال، وفقدانه السيطرة على الأرض في مواجهة رجال المقاومة، كما يشير من ناحية أخرى إلى انهيار منظومة أمن السلطة التي لطالما اعتمد عليها الاحتلال في ملاحقة المقاومة الفلسطينية، ما دفع نتنياهو إلى الإعلان مؤخرًا عن حرصه على عدم انهيار السلطة، واستعداده لتمويلها، في دلالة على أهمية التنسيق الأمني والدور غير المباشر للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في خدمة الاحتلال وحماية المشروع الاستيطاني “الإسرائيلي” في الضفة المحتلة.
مشهد آخر من المشاهد اللافتة كان عودة سياسة القصف الجوي الغادر، وتنفيذ اغتيالات للمقاومين الفلسطينيين عبر قصف المركبات في الضفة المحتلة، وهو مشهد يشير إلى تغول جيش الاحتلال على الدم الفلسطيني من جهة، وهواجسه من تكرار كمين جنين، ونجاح المقاومة في إيقاع خسائر فادحة في قوات الاحتلال من جهة أخرى، حيث اعتاد الاحتلال تنفيذ اعتقالات ومداهمات ليلية في مناطق واسعة من الضفة دون مخاطر كبرى، لكنها باتت اليوم تفضل تنفيذ عمليات قصف جوي لعدم قدرتها على الوصول للمقاومين على الأرض، ورغم عظم تضحيات المقاومة مع ارتقاء المزيد من الشهداء إلا أن قناعتنا راسخة بتعاظم المقاومة الفلسطينية وأنها تمتلك زمام المبادرة للرد على جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة المحتلة.
مشاهد إطلاق صواريخ جنين جاءت اليوم في سياق تغول المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين العزل في قرى وسط وشمال الضفة، حيث أقدم المجرمون الصهاينة على حرق عشرات المنازل، ومئات المركبات الفلسطينية، ظنًا منهم أن الفلسطيني سيرتدع أمام تلك الهجمات البربرية، وما علموا أن المقاومة تجهز رشقات صاروخية ستحول مستوطناتهم وثكناتهم العسكرية إلى منطقة أشبه بمستوطنات غلاف غزة التي باتت تدرك جيدًا معنى الرشقات الصاروخية التي تطلقها المقاومة مع كل تصعيد عسكري مع الاحتلال.
ختامًا ومع التطور اللافت في قدرات المقاومة، ونجاحها في تنفيذ عمليات إطلاق نار تجاه مستوطنات الضفة يوميًا، فإنني أتوقع أن تصعد المقاومة خلال المرحلة المقبلة من عملياتها النوعية التي ستشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة حكومة نتنياهو المتطرفة على توسيع المشروع الاستيطاني واستجلاب مستوطنين جدد في الضفة، كما أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن عمليات الاغتيال، والاعتقالات المتواصلة طيلة السنوات الماضية، فشلت في الحد من تمدد خلايا المقاومة من جنين إلى نابلس وطولكرم وأريحا، وغيرها من مناطق الضفة المحتلة.