كلنا يعلم أن الثورة هي تغيير جذري، لواقع فاسد تقوم به حركة ثورية، مستخدمة أسلوباً ثورياً لنقل الواقع إلى مرحلة جديدة.
والحركة الثورية ربما تكون حركة مقاومة، أو دولاً، في إطار الصراع الإقليمي أو غيره.
والمتتبع لمرحلة طوفان الاقصى في فلسطين، لابد يلحظ أية تغييرات تم صياغة مفاعيلها، وإقرار قواعد جديدة في الاشتباك الثوري مع العدو الصهيوني.
ولّما نجحت المقاومة في هذا الأمر ،عبر إسقاط نظرية الردع الصهيونية، فلا بد من مراجعة لما أحدثه هذا الطوفان على مجمل الصراع في المنطقة.
فقد تمكنت المقاومة من إدخال عناصر وقوى جديدة الى ميادين الصراع، كانت بعيده عنه نسبياً، وبات نضالها مباشراً في حركه مقاومة العدو عسكرياً، وتم إعادة صياغة وجودها السياسي ،وجوهرها من الشعار الى التطبيق، وهذا الأمر قد تم استثماره في مساحة الردع الجديدة ،التي باتت تمثله المقاومة ،حيث كان الأمر مقصوراً على القوى الوطنية في فلسطين، وبعض أطرافها ضمن معسكر القوى الوطنية والاسلامية القديم.
وإذا كانت مشاغلة العدو ومفردات ردعه تعتمد على وسائل ووسائط محددة ،عبر الجبهات فقد طورت قوى المقاومة أساليبها وأدواتها بما يخدم هذه السياسات الجديدة(عملية عرب العرامشة وتدمير فاير فايندر-مثالا).
ولم يعد الأمر مقصوراً على المقاومة والاعتماد عليها بمعزل عن تحالفاتها، بل تعدّاه إلى إشراك الحلفاء في غمار المعركة المباشرة، انطلاقاً من ذات أراضيها ونطاق عملياتها.
وحتى الأمس القريب، كان هاجس الردع محبوساً في الحرب الكلامية، المبني على أدوات قتال عسكرية غير مستخدمة، تخيف الخصم.
ولكن سرعان ما تم إدخال هذه الأدوات في بناء قواعد اشتباك جديدة، تحيط بالكيان الصهيوني من كل جانب، وبدا تأثيرها المباشر في حلقات الصراع.
يمكن القول أن طوفان الأقصى ،قد نجح إلى حدٍ بعيدٍ في إعادة تشكيل محور للمقاومة ،يتعدى حدود النطاق الجغرافي المركزي للصراع، فالحرب المفتوحة التي يتحرك فيها الكيان الصهيوني باتت مسورة، بحركات مقاومة ذات أثر فعال في رسم معالم المرحلة القادمة .
فمن كان يتجرأ على خلق قواعد الاشتباك السابقة؟ وقد تبين للقاصي والداني بعد الطوفان أن لا حدود يمكن أن تكون عائقاً في زخم محور المقاومة، وهو الذي يرسم قواعد الإشتباك.
إذ أبدت المقاومة مهارة عالية، في استخدام وسائل ووسائط القتال، واستثمارها ميدانياً، وأثمرت ضربات موجعة للعدو، في ظل عجزه ومحوره عن لجم اندفاع سياقاته، رغم قيامه بالاستنجاد بحلفائه الذين أدخلهم معركته بشكل مباشر.
إذا نحن أمام تشكيلٍ مقاوم جديد في منطقه الصراع، التي تخرج عن نطاق الحدود، وسيكون هناك انضمام إلى هذا المحور، في المرحلة القادمة بما يرسم شكل المنطقة .
ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن هذا المحور بات في مكوناته قوى ودول باتت تستدرك الخطر القادم، وبالتالي تستعد لما بعد ارهاصاته بما يخدم انتمائها العروبي والاسلامي.
وقد شجعت هذه الحالة بعض القوى المترددة لتسجيل اسمها في قطار المرحلة القادمة التي تشير الوقائع أنه لن يتوقف في فلسطين وحدودها، بل سيتجاوز ذلك إلى تغيير إقليمي استراتيجي كما حدث بعد نكبة فلسطين عام ١٩٤٨، سيما أن مرحلة النكبة اتسمت التغييرات بهدف التخلص من أعوان الاستعمار،فيما تم الفصل في طوفان الأقصى بتبعية المحيط وولائه، واختفاء الألوان الرمادية في الانتماء الوطني أو اللا وطني بما يشبه حالة الفرز.
وبعد سقوط نظرية الردع الصهيونية، وتنامي محور المقاومة المقابل، يمكن ملاحظة سقوط حدود الشعار الصهيوني من الفرات إلى النيل.
إذ بات الكيان عاجزاً عن الحفاظ على مشروعه في فلسطين، وهو ما تؤكده تصريحات السياسيين الصهاينة الكبار، وخشيتهم من اقتراب انتهاء المشروع الصهيوني برمته، والمسألة باتت مسألة وقت، ليس بالطويل المدى، وهو آيل للسقوط، فلم يعد الفرات تابعاً ولا النيل مبايعاً وكذا جوار فلسطين، ولا الخليج آمناً، ويمكن أن البحر المتوسط لن يكون متاحاً.
د. حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني
مختص بالشؤون الفلسطينية و”الاسرائيلية”