الكاتب د. حسين موسى
لقد بات واضحاً وجلياً للعيان أن الكيان الصهيوني، قد دخل في مرحلة العد العكسي لنهايته، بعد نحو من ثمانية أشهر من العدوان على غزة، وقد شرع في تدشين مرحلة الانهيار الاستراتيجي، ويظهر ذلك بوضوح من تصريح قياداته العليا.
وقد استحضر قادة الكيان أعوام النشأة الأولى، كما وصفوا حربهم بانها حرب وجود أو زوال بعد 76 سنة.
فأحلام الدولة الكبرى المهيمنة على المنطقة، وحدود النيل والفرات، كلها تبخرت أمام جيب مقاتل تحت الأنفاق في غزة.
وأظهرت قراءة في الاشهر الثمانية من الحرب، أن الاعتماد على القوة الكاسحة والعنف المفرط، والإيغال عميقاً في المجازر الدموية وجرائم حرب الإبادة الموصوفة في التقارير الدولية والموثقة لدى محكمة العدل الدولية، هي دلالة على ضعف، وشعور نفسي عميق بالخوف من الهزيمة وليس دلالة قوة أبداً.
وانكشف الكذب الصهيوني على العالم، ولم تعد الرواية الصهيونية تنطلي على أحد أبداً، وفبركة الروايات الهزلية، كل ذلك يشكل مغامرة فاشلة، تدل على اليأس المعشش في قيعان القلب الصهيوني، وما العنجهية والغطرسة والتصريحات المتشنجة إلا تغطية على القصور والشعور الملح بالهزيمة الداخلية العميقة.
إنها مسألة وقت، لإعلان الهزيمة ،وهو تأخر مردّه لعدم وجود خصم رسمي عربي متماسك يملك ارادة المواجهة، والصمود والقوة، ايضاً امتلاك القدرة على الاستثمار في حالة الانهيار الاستراتيجي للاحتلال.
ولم نجد أي دراسة عربية جادة لقراءة الوضع القائم، وإيجاد خطة اليوم التالي استراتيجيا، علما أن هذا اليوم بات آتياً، والمسألة هي مسألة وقت ،وبالتالي معرفة موقع هذا النظام الرسمي العربي في هذه المعادلة الناشئة .
وبغض النظر عن ارتباط هذا النظام مع المشروع الصهيوني، والاستماتة في الدفاع عنه، إلا انه لا يريد رؤية الحقائق والقفز من المركب الصهيوني المتهاوي ،في وقت غيّرت فيه دول أوروبا موقفها 180 درجة خلال الأشهر الثمانية الماضية من حلقة الصراع، وبدأ السباق على أشده للاعتراف بفلسطين وهو مؤشر على ان الوحدة الأوروبية الداعمة بلا شروط لهذا الكيان قد كُسرت وهذا الدعم بدأ يتفكك.
وحتى في أمريكا وعقب انتفاضة الجامعات، وحركة الطلاب الأحرار فقد أظهرت استطلاعات الرأي في معسكر بايدن الانتخابي أن 57% يؤمنون أن الكيان الصهيوني متورط في ارتكاب جرائم إبادة، و28% متردد وإن 26% ترى أن الكيان الصهيوني قد ارتكب فعلا جرائم إبادة، ويمارس سياسة عنصرية.
كما أظهرت الاستطلاعات في الحزب الديمقراطي وانصاره، ان 56% يرون أن الكيان متهم حقيقة بارتكاب جرائم إبادة، وبدأت الاستقالات تتوالى في الحزبين في عدم رضى عن السلوك الصهيوني الإجرامي.
الاستطلاعات المشار إليها جاءت في وقت أكدت فيه المصادر الإعلامية الصهيونية، إدراج الكيان الصهيوني، على قائمة الامم المتحدة السوداء للدول التي تستهدف الأطفال، مما يعني إمكانية فرض عقوبات عسكرية على هذا الكيان.
واذا كنا قد اشرنا سابقاً الى تطورات متسارعة تشهدها ساحة الحرب، يمكننا ان نسجل سريعاً حصاد السياسة الصهيونية وسلوكها العسكري على المستوى الاستراتيجي:
1- السقوط العسكري والاخلاقي للجيش الصهيوني.
2- التأييد الدولي للسردية الفلسطينية، وانتفاء الرواية الصهيونية.
3- التعاطف الدولي مع الحقوق الفلسطينية.
4- الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.
5- اتهام الكيان باعتباره مارقاً ومجرم حرب.
6- نهاية التعويل على الكيان الصهيوني كموطن لليهود .
7- نهايه تعويل الغرب على الكيان لرعاية مصالحه.
8- الانقسامات السياسية داخل الكيان.
9- نهاية حصانه الحكام الصهاينه، والجيش من المساءلة الدولية.
ولعل تقديم حزب غانتس، الشريك في الحكومة، مشروع قانون يدعو إلى حل البرلمان (الكنيست) الصهيوني، وإجراء انتخابات مبكرة، هي الضربة الاستباقية، لما ستؤول اليه نتائج الحرب حيث يدرك الجميع ان هذا الكيان الى زوال.
ولعل التركيز الداخلي الصهيوني والتوافق الامريكي معه حول تحميل نتنياهو مسؤولية هذا الإخفاق، إنما هو هروب للأمام من الاعتراف بالهزيمة الكبرى، وبالتالي تحميل هذا الفشل إلى فرد، حتى لا يطال الفشل المسألة الوجودية الصهيونية برمتها.
وبلا مواربة ، لقد اعترف نائب سابق لرئيس الموساد بأن كيانه٬” قد خسر الحرب على غزة، واقتصاده ينهار ،وهذا يعني ان كل يوم اضافي هو خسارة إضافية، وتفكك مجلس الحرب بداية النهاية، وصراع مراكز القوى دليل انهيار، وان مزاعم نتنياهو عن النصر في رفح مجرد أوهام”.
الحرب كما يراها الكثير من الصهاينة، مفكرين وإعلاميين ،وخبراء عسكريين، هي سفينة غارقة حان الوقت للقفز منها.
إنها رؤيا حال هذه السفينة الغارقة،وهو ما يمكن فهمه من خطاب الرئيس الامريكي جو بايدن بالأمس ،31/5/2024 والتي أعلن فيها خطته للمفاوضات حول وقف النار في غزة، ولكنه لم يستطع إلا الاعتراف، بأن نصرا في غزة لا يمكن أن يتحقق، او يكون كاملا.
وفي عجالة يمكن رؤية جنوح السفينة الصهيونية عبر عناوين عريضة أبرزها:
- استحاله أهداف الحرب المعلنة بالقضاء على المقاومة.
- عدم وجود رؤية سياسية وعسكرية صهيونية، لليوم التالي للحرب.
- غضب في الشارع الصهيوني، وهو يتسع مع إعلان الصهاينة أن هذه الحرب قد تطول لسنوات، وهو غضب يطال كافة الفئات التي فقدت أمنها السياسي والاقتصادي والعسكري والوجودي.
- الأعداد الهائلة من القتلى في الجنود، والعودة المتكررة إلى ذات مربعات القتال التي سبق أن انسحب منها العدو كدليل عدم وجود أهداف استراتيجية .
- ما تبقى من الجيش في حالة انهاك، ويقاتل دون إرادة، فكما أورد تقرير لصحيفة يديعوت احرونوت فان“ الجنود محبطون وعائلاتهم تخشى أن يعودوا إليها في توابيت“.
واذا ما اضفنا الى ذلك الخسائر على المستوى السياسي، والعلاقات مع العالم، فإن التزايد في عدد الدول الأوروبية تحديدا، في اعترافها بالدولة الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، فلا يمكن تجاهل أن هذا ثمرة من ثمار تآكل الكيان من الداخل والمحيط.
والنتيجة أن ثمة عالم جديد يولد من رحم الحروب القاسية، والشعوب في طريقها للتحرر من الهيمنة .
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني
مختص بالشؤون الفلسطينية والصهيونية