المهرة، اليمن: صراع خفيّ جديرٌ بالمتابعة
تحت هذا العنوان تناول الباحث اليمني في مركز كارنغي للشرق الاوسط ((أحمد ناجي)) في بحث مطول حول اوضاع محافظة المهرة الواقعة شرق اليمن, الصراع الخفي بين دول اقليمية محاذية لليمن لبسط سيطرتها و نفوذها على المحافظة اليمنية.
و يقول الباحث “على الرغم من أن المهرة ليست النقطة الساخنة للصراع مع الحوثيين، يشي الانتشار العسكري المكثّف بصراع ظل قيد التشكّل، وبأن القوى الإقليمية منخرطة بشكل كبير في المنطقة.
و تسيطر قوات النخبة الحضرمية، التي جنّدتها وموّلتها الإمارات العربية المتحدة، على المناطق الواقعة على طول ساحل محافظة حضرموت المؤدّي إلى المهرة. بينما تسيطر القوات العسكرية التي تشرف عليها السعودية على معظم طرق المهرة ومديرياتها الرئيسة، منذ هيمنتها العسكرية على المحافظة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017. يُشار إلى أن عدد هذه القوات يزداد باطّراد، وقد نصبت السعودية مؤخراً مواقع عسكريّة عدة في مناطق مختلفة في المحافظة. ليس لدى عُمان، وهي الدولة المحاذية للمهرة، وجود عسكري فيها. لكنها تدعم بشكل غير مباشر القبائل المحلية التي تواجه السعوديين.
في الغيضة، وهي المركز الإداري للمهرة، ثمة ساحة صغيرة تضم مدرّجاً كان مخصّصاً للاحتفالات الرسميّة، بيد أنه تحول إلى موقع للاحتجاجات .. ضد التواجد العسكري السعودي في المحافظة. في أيلول/سبتمبر 2019، أسّس قادة احتجاجات المهرة، بدعم من عُمان، مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وطرد القوات العسكرية التابعة للتحالف بقيادة السعودية من كلٍّ من المهرة وجنوب اليمن. يُطالب هؤلاء القادة من السعودية بوقف التدخلات، وإعادة جميع المرافق الحيوية بما في ذلك المنافذ والمؤسسات الحكومية، وتسليمها إلى أبناء المهرة.”
ويضيف ” على الرغم من التوترات، تنعم المهرة باستقرار نسبي، إذ تقع على بعد 800 ميل من العاصمة صنعاء. ومع أنها لا تضم سوى 1.3 في المئة من مجموع عدد سكان اليمن، إلا أنها ثاني أكبر محافظة في البلاد، إضافةً إلى أنها تشكّل الشريان الأساسي لعلاقات اليمن التجارية مع عُمان. ومنذ الحصار الجوي والبحري والبرّي الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية في آذار/مارس 2015، أصبحت المهرة بمثابة شريان حياة يسمح للتجار باستيراد السلع من خلال معابرها الحدودية…و تزخر المهرة كذلك بمواردها الطبيعية. فساحلها الذي يبلغ طوله 350 ميلاً غنيٌّ بالحياة البحرية، وجبالها الخصبة في الشرق – على عكس الصحراء الشاسعة في الشمال – معروفة بأشجار اللبان المنتجة لمادة صمغية تُستخدم في العطور والزيوت والبخور.”
ويقول الباحث “من غير الواضح التنبّؤ من سيكون المستفيد الأكبر من النمو الذي تشهده المهرة. فالقوى الإقليمية هناك تتنافس لفرض نفوذها على القبائل اليمنية المحلية التي نأت بنفسها عن الصراع الأوسع في سائر المحافظات اليمنية، إلا أنها تعاني من غياب شبه تام للحكومة اليمنيّة. وحتى الآن، نجحت كل قوة إلى حدٍّ كبير بتعزيز مصالحها الخاصة…يكمن هدف السعوديين الأساسي والمعلن في إبقاء الحوثيين خارج شرق اليمن، لكن مصالحهم الاقتصادية المتزايدة في المهرة دفعتهم لإبعاد الإمارات، التي تريد هي الأخرى السيطرة لحماية خطوط الملاحة التجارية على الساحل الجنوبي اليمني. أما عُمان، التي كانت أكثر حياديةً في السابق، فقد عزّزت بدورها دعمها غير المباشر لليمنيين – المال والسيارات والتغطية الإعلامية والاتصالات الدبلوماسية – لتأمين حدودها. لايزال مجهولاً كم ستدوم فترة السلام النسبي هذه في ظل ظروف كهذه.”
و يتابع الباحث “على مدى السنوات القليلة الماضية، أُصيبت الحكومة المحلية في المهرة بوهن كبير. لهذا السبب مثلاً بدأ المحافظ السابق محمد كدّة في العام 2017 بالترتيبات لعقد مؤتمر لتعزيز فرص الاستثمار في محافظة المهرة. ونظرًا إلى الاستقرار النسبي في المحافظة، سُرعان ما أبدى عدد من رجال الأعمال اليمنيون، ولاسيما أولئك الذين يعيشون في دول الخليج والأردن ودول القرن الأفريقي، اهتمامهم بذلك، لكن بناءً على طلب السعوديين، أقال الرئيس عبد ربه منصور هادي المحافظ الذي لم يكن على وفاق مع السياسات السعودية في المحافظة، وعيّن راجح باكريت الموالي للسعوديين بديلاً له، وكان أول قرار له إلغاء المؤتمر. مؤخرًا أُقيل باكريت، على إثر صداماته المستمرة مع قبائل المهرة التي تعارض سياساته. وفهمت إقالته كخطوة للخلف من قبل السعودية أمام الرفض القبلي الذي تواجه في المهرة.
خلال فترة وجود راجح باكريت، انتهجت السلطات المحلية في المهرة سياسات سعودية، من ضمنها شراء الولاءات، وتمكين السعوديين في كل مفاصل المحافظة. اقتصادياً، تم رفع التعرفة الجمركية، وحظر حوالى 100 سلعة من دخول المحافظة (إذ يدّعي السعوديون أن الحوثيين قد يستخدمونها لتصنيع الأسلحة).”
ثم يقول ” بصرف النظر عما يبدو أنه تلبية لاحتياجات سكان المهرة الأساسيّة، تستخدم القوى الإقليميّة طريقة أخرى مباشرة أكثر لتعزيز نفوذها. ويعتبر أفراد القبائل المسلحة ، أن القوات المدعومة من السعودية جنّدت حوالى 6000 شخص من سكان المهرة لكسب ولائهم..يتم إغراء المجندين إلى حد كبير برواتب مرتفعة نسبياً. يقول أحد المجندين : (كنت عاطلاً عن العمل، قبل العام 2015، ومن دون دخل، لكن عندما بدأ التحالف الذي تقوده السعودية تدخّله في اليمن في آذار/مارس 2015، انضممت إلى صفوف القوات المدعومة إماراتياً، التي كانوا وقتها في المهرة، تقوم بدعم القطاع الأمني. كنت من بين 2500 مجنّد من مختلف أنحاء المهرة. وبعد مضي ثلاثة أشهر من التدريب العسكري، أصبحنا جزءاً من قوات الأمن هناك. كنت أحصل على راتبي الشهري [ما يعادل 400 دولار أميركي] من الإمارات، لكن منذ أن استولى السعوديون على المهرة، صرت أحصل على راتبي منهم).
كما يُمنح رجال القبائل المسلحون رواتب من قادتهم القبليين، المدعومين بمعظمهم من عُمان، ويرغبون في ضمان درجة معينة من الولاء للقبيلة. الأمر الذي يشير إلى أي درجة صار دخل البعض يعتمد على استمرارية الصراع.”
ويضيف” من المرجّح أن السعوديين يعملون على وضع خطط جديدة لإنشاء خط أنابيب نفط ضخم يعبر مضيق هرمز الخاضع إلى سيطرة إيران، ويمتّد من منطقة الخرخير في السعودية إلى ساحل المهرة، في خطوة ستعزّز الأمن وتقلّص تكاليف النقل البحري إلى حدّ كبير. وقد ظهر العديد من التسريبات حول توجهات السعودية لإقامة هكذا مشروع، وتمت تسميته في بعض الصحف السعودية بـ(مشروع القرن).”
و ختم الباحث معتقدا ” أن يحمل المستقبل معه المزيد من التحديات للمهرة، إذ يشير أحد السيناريوات المطروحة إلى تفاقم حدّة التوترات، بحيث تواصل السعودية توسيع سيطرتها على مناطق المهرة ومجتمعها، وتزيد القبائل المعارضة للسعودية مقاومتها بدعم من سلطنة عُمان، التي قد تدفع بتعزيزات عسكرية قرب الحدود. وفي حال حدوث ذلك، قد يؤدي اندلاع أعمال قتالية إلى الحدّ بشكل كبير من الاستقرار النسبي، والنمو الذي تشهده المهرة.
في سيناريو آخر، قد تخفف السعودية تواجدها العسكري وتترك المجال أمام المجتمع المهري لتقرير نمط إدارة منطقته عبر السلطة المحلية. لكن لا توحي التحركات العسكرية السعودية في المهرة باحتمال حدوث هذا السيناريو. فكل المؤشرات تكشف عن رغبة جامحة للسعودية بالهيمنة العسكرية الكلية على هذه المحافظة.”