بين الحادي والعشرين من آذار عام ١٩٦٨ والثلاثين من آذار عام ١٩٧٦ معركة الكرامة الخالدة ، وانتفاضة يوم الأرض المجيدة ، وما قبلها وما بعدها ، مسيرة مكللة بتيجان العز والفخار، وصفحات مشرقة في تاريخ شعبنا و ثورته ، فلا يوجد يوم على أوراق الرزنامة لا يحمل ذكرى لشهيد او عملية فدائية وموقف بطولي ، ولا يوجد شبر من أرض فلسطين إلا ويزهر فيه الدم الفلسطيني زيتونا و سنديانا أكثر فأكثر ..
وكما كانت معركة الكرامة عنوانا فارقا ، وانتصارا مجيدا ، انكسرت فيه غطرسة العدو الصهيوني ، وتهشمت صورة جيشه “الذي لا يقهر” وجر خيبته ذليلا مدحورا ، كذلك ، وعلى مقربة من موقعة الكرامة ، هناك في قرى المثلث ، ومن الجليل إلى النقب انطلق الغضب الفلسطيني ، عشية ٣٠ آذار ١٩٧٦، معلنا تحدي سلطات الاحتلال الصهيوني وجرائمه بالاستيلاء على آلاف الدونمات من الأرض العربية الفلسطينية ، حيث جرت مواجهات واسعة أسفرت عن ستة شهداء ومئات الجرحى ، واتسع نطاق الحركة الشعبية داخل فلسطين وخارجها ، محاطة بالدعم والمؤازرة من الجماهير العربية والقوى الصديقة ، وصار هذا التاريخ يوما للأرض .
تأتي هذه الذكرى والصراع يتزايد على الأرض ، ومخططات العدو لا تتوقف عن توسيع دائرة الاحتلال والسيطرة على الأرض وإجراءات تهويدها، لأن هذا العدو الغازي طارئ وغريب ، وهو مشروع استيطاني عنصري توسعي ، لا تاريخ له ولا جذور في بلادنا ، فإن الأرض تمثل لديه الهدف الرئيس من أجل البقاء، وكل سياساته تتمحور حوله ، وفي ذات السياق يأتي التهديد بضم اراضي الاغوار ، وقبلها القدس وضم أراضي الجولان العربي السوري، وتطاول كيان العدو الصهيوني للتوسع عبر ما يسمى بالتطبيع مع الانظمة العميلة للوصول إلى المسعى الإمبريالي الصهيوني بإقامة (اسرائيل الكبرى) تلك القاعدة الاستعمارية التي انشأتها قوى الاستعمار وما تزال ترعاها .
إن انتفاضة يوم الأرض لا تعدو كونها ذكرى لصفحة مضيئة في تاريخ شعبنا، فهي حالة وعي وثقافة ومعركة مفتوحة ، وهي عنوان وجودنا تاريخا وحاضرا ومستقبلا ، ويبقى الثابت الأساس هو تحرير فلسطين ، كل فلسطين، من البحر إلى النهر، هو الهدف والمعيار الناظم للسياسة والفعل الشعبي والمقاومة ، بعيدا عن أوهام التسوية وإضفاء أي شكل من أشكال الإعتراف القانوني أو السياسي بكيان العدو الغاصب ، الأمر الذي كرسته مقولات الدولة والتفاوض وما يسمى بالشرعية الدولية، طيلة العقود الماضية ، والتي لم تنتج سوى إلحاق الاذى والتدمير وتبديد التضحيات للقوى الوطنية والشعبية ، ولم يكن ذلك ممكنا إلا من خلال الترويج لهذه الأوهام من قبل قوى الاستسلام والانتهازية والجهل وبرعاية أعداء الأمة ..
لم تكن ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار عام ١٩٧٦ والتي تتجدد كل عام لمجرد عشرات آلاف الدونمات التي حاول الصهاينة مصادرتها في الجليل والمثلث والنقب ، بل شكلت هبة ثورية فلسطينية شملت كل ارض فلسطين فالارض تبقى محتلة حتى لو بقي فيها شبر واحد بيد المحتل الصهيوني الغاشم ..
هكذا قالها الاوائل من مجاهدي شعبنا العربي الفلسطيني عام ١٩٢٩ في ثورة البراق وأستشهدوا عليها واستمر القسام ورفاقه حتى جاءت لِتُثَبِّتَها في نظامها الداخلي ومبادئها النضالية بأن فلسطين كل فلسطين وحدة جغرافية واحدة لا تتجزأ وان التحرير لن يتوقف حتى آخر شبر من ثراها الطاهر.. وبالكفاح المسلح اسلوباً حتمياً ووحيداً .. حتى تمكنت زمرة مارقة منحرفة من ركوب قيادة حركتنا لتحرفها عن مبادئها وتفاوض وتساوم على ارض تعمدت بدماء الشهداء وعبق الشهادة ..
بيد ان المخلصين في حركتنا أبَوْا إلا تعرية تلك القيادة المنحرفة والتصدي لها ولبرنامجها الخياني والأستمرار في حمل شعلة العاصفة وراية الكفاح المسلح منذ عام ١٩٧٣/ ١٩٧٤.
فكان انبثاق حركتنا فتح/ المجلس الثوري في اصعب المراحل وأخطرها لتحافظ على أَمانة أرض فلسطين كما حافظ عليها الاوائل واْستشهدوا وهم على العهد والقسم بان لا يفرطوا بذرة من ترابها الطهور، وهم الاولى والأحق بتجديد العهد بيوم الارض وذكراه وتحمل المسؤولية ، أما من فرط وساوم وتاجر وطبَّعَ وخَٰان فلا حق له بالتشدق حول يوم الارض ، بعد ان تخلى عنها وقبل ان يقوم بدور تكميلي للعدو وأداء مهامه في ملاحقة الثوار والمجاهدين وتزيين ذلك بملهاة الأنتخابات التي هي بالاساس ، مطلب صهيوني – أمريكي وبمباركة أدواتهم في المنطقة ..
وفي الذكرى ٤٥ ليوم الارض الخالد ما أحوج كل أحرار فلسطين والأمة الى تجديد التمسك بفلسطين كحق تاريخي حصري لشعب فلسطين والأمة العربية وستعود لأهلها مهما طال الزمن ..
ما أحوجنا الى نبذ كل أوهام المراهنات على التسوية والمطبعين سواء إدعوا بأنهم فلسطينيين او أعراب ، فهوية أرض فلسطين باقية لن تتغير وتحريرها كاملة سيبقى الهدف المقدس لكل قوى الأمة الحية والفاعلة ، والنصر قادم لا محالة ..