أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان: “السيناريوهات الصهيونية في مواجهة البرنامج النووي الإيراني”، وهي من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، خبير الدراسات المستقبلية والاستشرافية، ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً.
وأشار الباحث إلى أن استراتيجية الكيان الصهيوني في مجال التسلح النووي تقوم على ركيزتين مهمتين، أولاهما التفرد بامتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، والعمل على تسليم العالم بهذا الاحتكار. أما الركيزة الثانية فهي انتهاج استراتيجية ما يسمى الغموض الاستراتيجي، أي أنها لا تعترف بامتلاكها للسلاح النووي، ولكنها تجعل الآخرين في المجتمع الدولي يتعاملون معها على أنها دولة نووية، دون أي التزامات منها تجاه الوكالة الدولية للطاقة النووية، ودون القبول بفكرة إخلاء المنطقة من السلاح النووي، أو الموافقة على إدماجها ضمن موضوع منع انتشار السلاح النووي.
وقد شكلت إيران بمشروعها النووي تحدياً جديًّا لهذه الاستراتيجية الصهيونية، فالكيان الصهيوني ترى المشروع النووي الإيراني مشروعا عسكريًّا في توجهه الاستراتيجي، وعليه فإن امتلاك هذا السلاح يعني زعزعة الاستراتيجية الصهيونية من جذورها؛ سواء في مجال إنهاء الاحتكار النووي في الشرق الأوسط أم في مدى قابلية استراتيجية الغموض الاستراتيجي للاستمرار كاستراتيجية فعالة.
وحدد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي الخيارات الصهيونية في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني في ثلاثة خيارات استراتيجية:
استراتيجية الاستنزاف لإيران: وتقوم استراتيجية الاستنزاف على التعطيل المستمر للقدرات النووية الإيرانية، وتتمثل هذه الاستراتيجية في العمل على تعطيل القدرات الإيرانية من خلال التخريب للبنية التحتية سواء بضربات مباشرة، أم بعمليات تفجير، أم من خلال الهجمات السيبرانية، أو حتى من خلال قتل العلماء النوويين الإيرانيين، بالإضافة إلى العمل على كشف الأسرار لتعزيز الضغوط الدولية، والتركيز الإعلامي على مخاطر البرنامج على الإقليم والأمن والسلم العالمي، بهدف تعزيز عدم الثقة الدولية في إيران. فضلاً عن مساندة القوى المعارضة الإيرانية على أمل تغيير النظام السياسي في إيران، والعمل المكثف للإبقاء على أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية على إيران، على أمل أن تؤدي الضائقة الاقتصادية لدفع النظام السياسي الإيراني إما للرضوخ أو مواجهة مشكلات داخلية.
دفع قوى إقليمية أو دولية لتحمل عبء المواجهة مع إيران: وذلك على غرار ما جرى مع العراق وليبيا وسورية، ويبدو أن هذا الخيار هو الخيار الأفضل لـالكيان الصهيوني لأنه الأقل تكلفة بشرية ومادية، كما أن هذا الخيار هو الأكثر قبولاً من الرأي العام الإسرائيلي. ولعل العلاقات الصهيونية مع دول الخليج العربية خصوصاً فتح الأجواء الخليجية للطيران الإسرائيلي والتطبيع المتسارع مع الكيان الصهيوني يجعل من احتمالات هذه الاستراتيجية أكبر من المنظور الإسرائيلي على الرغم من أنها ليست أمراً متاحاً بالقدر الكافي حتى مع توفر هذه الظروف. لكن البديل لذلك هو تشكيل تحالف دولي تشارك فيه الولايات المتحدة لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لكن الظروف الدولية لتشكيل تحالف دولي للقيام بحرب ضدّ إيران ليس بديلاً مقنعاً لكثير من الدول بما فيها الولايات المتحدة.
المواجهة الصهيونية المباشرة مع إيران: وتنطوي هذه الفرضية من وجهة نظر بعض الخبراء الصهاينة أو المسؤولين في أجهزتها الأمنية على بعض الصعوبات والتداعيات التي قد تكون لها الآثار العميقة على الكيان الصهيوني، إذ إن مثل هذه الاستراتيجية بحاجة لضمان قبول الولايات المتحدة بهذا التوجه، وهو أمر يبدو صعباً في ظلّ الإدارة الأمريكية الديموقراطية المنشغلة بأولويات ترميم التراجع الأمريكي في قطاعات عديدة، وتراجع المكانة الاستراتيجية للشرق الأوسط في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، إلى جانب أعباء جائحة كوفيد 19.
أما على مستوى النظرة المستقبلية للأمور، فيخلص الدكتور عبد الحي إلى أن المغامرة الصهيونية بهجوم منفرد على إيران تمثل الاحتمال الأضعف؛ نظراً لأن القوى الدولية الفاعلة الأكثر معارضة لهذا التوجه، وهذه القوى تعتقد أن الديبلوماسية والضغوط الاقتصادية مع بعض، “اللسعات العسكرية” لإيران أو لمرافقها خصوصاً من خلال الهجمات السيبرانية، التي يبدو أنها ستتزايد بين أطراف هذه المشكلة، وستعطي نتائج أفضل من الهجوم الصهيوني المباشر.
أما تشكيل تحالف دولي للهجوم على إيران، على غرار التحالفات الدولية التي تدخلت مباشرة في العراق وليبيا بل وإلى حدّ ما في سورية، فإن إمكانيات تشكيلها تراجعت بفعل البيئة الدولية الحالية، ما يعني أن استراتيجية “النهش المتبادل” بين الكيان الصهيوني وإيران قد تتواصل بكل الوسائل المتوفرة للطرفين، ورجّح الباحث أن تتركز جبهات المواجهة على الأبعاد التالية:
تنامي الهجمات السيبرانية من الطرفين على المرافق المختلفة للطرف الآخر.
تصاعد الضربات على الطرق التجارية البحرية لطرفي الصراع.
ربما تميل إيران إلى مطاردة العلماء الصهاينة النوويين أو ممن لهم مكانة علمية مهمة في التطور العلمي الصهيوني في القطاع العسكري.
ويرى الدكتور عبد الحي أن أي اتفاق بين مجموعة 5+1 وإيران قد يشكل استرخاء للأزمة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تراجع إيران عن زيادة أجهزة الطرد وعدم رفع نسب التخصيب لليورانيوم إلى أعلى مما نص عليه الاتفاق، يقابله رفع للعقوبات الاقتصادية الأمريكية بقدر مقنع لإيران؛ وهذا هو أسوأ ما تتخيله الكيان الصهيوني، وسيجعل من خياراتها محدودة للغاية في هذا المجال، ولكنها ستبذل كل ما يمكنها من جهد لتعطيل الاتفاق أو عرقلته لتواصل “النهش” الذي تعتقد أنه الخيار الوحيد المتاح، والذي يمكن لها أن تحقق من خلاله أقل الخسائر لها أو أكبر المكاسب المتاحة، ذلك يعني أن الخيار المتاح أمام الكيان الصهيوني في ظلّ المعطيات السابقة هو العمل على أساس الاستراتيجية التالية:
منع الوصول لاتفاق يعيد الولايات المتحدة إلى اتفاق سنة 2015.
إذا فشلت في ذلك ستعمل على جعل أي اتفاق جديد يتضمن إضافات تزيد من القيود على إيران في مجال نشاط برنامجها النووي، خصوصاً القيود التي تعرقل تطور عمليات التخصيب أو توسيع نطاق التفتيش لوكالة الطاقة النووية الدولية، ليشمل أكبر قدر ممكن من منشآت البرنامج النووي الإيراني.
إذا فشلت في الخطوة السابقة، فإنها ستعمل على تطبيق استراتيجية حرب الظل، أي إبقاء الحالة مع إيران تراوح بين الحرب والسلم باستمرار النهش المتبادل بينهما وعبر أدواتهما المختلفة، وضمن قَدْرٍ من الضربات السرية والمعلنة، وفي أماكن مختلفة من منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص أو مناطق أخرى من العالم بشكل عام.