يبدو جليا أن الكيان الصهيوني، قد انكفأ مبكراً من الانشغال باليوم التالي لغزة، الى حسابات البيدر ،التي باتت قاب قوسين أو ادنى من دخولها مرحلة الاستحقاق.
المؤكد أن الكيان الصهيوني، يدرك تماما أن حصاد البيدر العدواني ،بعد 200 يوم لن تجني له سوى المزيد من الخيبات، وقد بدأ بتفريغ نتاج البيدر ،بتحميل المسؤوليات لبعض أركانه الأمنيين والعسكريين.
ولعل استقالة رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية “أمان ” أكدت على ذلك، وهي استقالة كانت مؤجلة إلى ما بعد استحقاق غزة ونتائجه.
فقد أعلن رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال هارون هاليفا ،استقالته من منصبه بسبب ما سمي( الإخفاق في يوم السابع من أكتوبر 2023)، في وقت لم تبدأ فيه بعد التحقيقات ،حول الاخفاق الكبير في التصدي لهجوم السابع من أكتوبر.
فمن جهة تعتبر هذه الاستقالة، إحدى ارتدادات الزلزال الكبير، الذي أحدثه طوفان الاقصى، وما ألحقه من هزيمة تاريخية، منيت به منظومة الاحتلال السياسية والعسكرية على أيدي المقاومة الفلسطينية.
فكيف أخفقت الاستخبارات العسكرية:
١- لم تتوقع الهجوم ،ولم تكتشف النوايا الحقيقية للمقاومة في قطاع غزة.
٢- فشل شعبة الاستخبارات في تقدير إمكانيات وقدرات المقاومة، وفشلها في توقع قوة ونطاق الهجوم .
٣- فقدان السيطرة، وعدم القدرة على فهم حقيقة ما يجري، لمدة تزيد عن 24 ساعه.
٤- فشل في معرفة الأماكن، التي نقل إليها الأسرى الصهاينة في قطاع غزة المحدودة المساحة.
٥- فشل في تحديد بنك الأهداف، واستخدام قوة التدمير، قبل بدء العدوان البري الذي أثبت، أنه لم يؤثر على قوة وأداء وفعالية المقاومة في أرض المعركة.
٦- فشل في تحديد مدى صمود المقاومة الفلسطينية، في المواجهة العسكرية، حيث افترضت مدة اقصاها شهرين، لهزيمة المقاومة، حسب الاعلام العبري .
٧- فشل شعبة الاستخبارات في الوصول إلى أماكن تواجد قيادات المقاومة السياسية والعسكرية.
٨- الفشل في تحقيق أهداف الحرب، وكسر وحدة التلاحم ،بين الشعب والمقاومة رغم القتل والتدمير والتجويع.
٩- الفشل في تقدير قوة المؤازرة، من القوى الوطنية والإسلامية ،في غير جبهة،ومدى تأثيرها على نطاق المعركة ونتائجها.
١٠- الفشل الذريع في توقع انقلاب الرأي العام العالمي، وانتقاله الى خانة العداء للكيان، (ما يحدث في ثورة الجامعات مثالا).سيما الدول التي دعمت الكيان بداية سياسيا وعسكريا واقتصاديا مثل الإدارة الامريكية وكندا واستراليا وصولا لفرنسا والقطار يمضي.
وهاليفا هو قائد الفرقه 98 مظليين، وهو من قاد بنفسه الفرقة ،وهو من دفعها إلى خان يونس ،وهو من سحبها بعد ذلك.
الواضح أن دفعه إلى الاستقالة قبل انتهاء الحرب والتحقيقات، جاء وفق أكثر من مقتضى، ستتكشف أسبابه في الأيام القادمة، عبر كرة ثلج الاستقالات التي بدأت بالتدحرج.
ويفهم مما تسرب أن هاليفا الذي أخفق في خان يونس يدرك أنه، ستكون هناك اياما سوداء في رفح ،التي يدفعه إليها نتنياهو، تكفيرا لأخطائه، وقد خاف أن تكون وبالا عليه وهو الخبير بالعمليات الخاصة والمخطط لعملية القنصلية في دمشق.
وبالعودة إلى تقارير عربية اتهمت الحكومة السياسية، بأنها لم تتعامل مع معلومات وصلتها قبل طوفان الاقصى ،يصبح الأمر بمثابة ايجاد شماعة صهيونية عسكرية وأمنية، لتحميلها ما ستؤول عليه العملية الصهيونية في غزة، التي فشلت بكل المقاييس ولا نتائج سوى الهزيمة.
ولان ما أحدثه الطوفان كان زلزالا حقيقيا على الكيان الصهيوني وداعميه، فإننا سنكون أمام المزيد من الارتدادات على مستوى الاستقالات، وهي بدورها ستعمل على إحداث مزيد من الضغوط على نتنياهو ستضطره إعلان مسؤوليته عن هزيمة السابع من أكتوبر، على قاعدة شعارات المتظاهرين في شوارع تل أبيب( انت الرئيس أنت المذنب).
اذا نحن أمام بداية السيناريو الأكثر رعبا للكيان منذ إنشائه حيث سيتجرع الهزيمة الصهيونية، وفيها :
أولا- زيادة عمق الخلافات وتبادل الاتهامات بالمسؤولية بين السياسيين في كيان العدو.
ثانيا – سيواصل اليمين المتطرف بن غفير وسموتريتش الهجوم على الجيش وتحميله المسؤولية عن الهجوم، والفشل في تحقيق أهداف الحرب.
ثالثا- توسيع نطاق المظاهرات المناهضة لحكومة نتنياهو، والمطالبة بإستقالتها وإجراء انتخابات مبكرة.
ويبدو أن هذا المأزق كمثل الفالج، الذي لن ينجو منه الكيان الصهيوني، كما يؤكد أهم المفكرين في الكيان الصهيوني “يوفال نوح هواري” حيث يقول :
(في حال لم نسارع إلى إحداث تحول دراماتيكي على مسار سلوكنا، فإن غطرستنا واستلابنا للانتقام كما يحدث في غزة، ستمضي إلى تكبدنا هزيمة تاريخية بعد ستة أشهر من الحرب على غزة. لم نعيد الأسرى، ولم نلحق هزيمه بحماس، ما حدث أن اسرائيل تحولت إلى دولة منبوذة في العالم بسبب ما تفعله في غزة).
ان مازق الكيان الصهيوني ما زال على حاله، بل يتعاظم كلما طال أمد الحرب، وما الاستقالات وما سيلحقها إلا إرهاصات الهزيمة الكبرى القادمة، والتي لن يكون متاحا للكيان الصهيوني ربما إعلانها.
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني
مختص بالشوون الفلسطينية و الصهيونية