بقلم د.حسين موسى
كاتب وصحفي مختص بالشؤون الصهيونية
الواضح من تتابع الأحداث، بعد لعب الكيان الصهيوني ورقته الأخيرة فيرفح ،أن هذه الورقة، ليست خاسرة فحسب، بل هي بمثابة الرمق الاخيرالذي قد لا يبقى هذا الكيان حيا وليس مجرد هزيمة له في غزة. فالأمر ليسشكل الهزيمة الواقعة، بل بما بعد الهزيمة، أو ما يسمى اليوم التالي للهزيمة.
وصورة الوضع يمكن مشاهدتها في غير مكان من العالم ،سواء في الحراكالثوري لجامعات الطلاب في العالم أو فيما يكتبه المفكرون والسياسيونالصهاينة أنفسهم، عن بقاء الكيان من عدمه.
وكلنا يعرف أن تلويح العدو بالدخول الى رفح، وبعد ان تحول الى واقع، بانتكل المخاوف التي كانت تتخفى في حقيقة ما يواجهه هذا الكيان.
ولقد تم تقديم المساعدات والتسهيلات للعدو الصهيوني للوصول الى معبررفح وهو أمر يعرفه القاصي والداني، من المتابعين لمجريات الأحداث والجغرافيا العسكرية لخصوصية رفح ومعبرها والطريق إليه.
ولكن ما لا يعرفه البعض أو يتجاهله، هو حقيقة المواقف الناجمة عن هذاالدخول، الذي تمت مواجهته بقوة، قلبت كل المعايير، وهو ما أعدته المقاومةللعدو في هذه النقطة، وهي تعرف كيف تدق مسمارها الأخير في موكبنعشه.
وعندما نرى ونشاهد ما يشبه انقلاب المواقف، تجاه دعم وتأييد هذا الكيانميدانيا، نجد أن النتيجة هي محاولة قفز الجميع من قارب هذا الكيانالمتهاوي.
الإدارة الأمريكية المأزومة في ثورة الطلاب الأحرار ، وانكشاف زيفالديمقراطية، وما يكتبه كبار المفكرين من انتقاد لتبني هذه الإدارة للمشروعالصهيوني، وعدم القدرة على لجمه وهو الذي يتخبط في إدارة أزماته، بمايعرض مصالحه والمصالح القومية الامريكية معه للخطر، رغم محاولات هذهالإدارة إنقاذ ما يمكن انقاذه.
فقد اشرفت على كل جهود التفاوض ومارست الضغوط على المحكمة الجنائيةالدولية، لعدم إصدار قرارات الملاحقة والاعتقال لقيادات الكيان الصهيوني، وقمع غير مسبوق لثورة الطلاب الاحرار في العالم وتجاهل دعوات 700 أستاذ جامعي يهودي بمراجعة قانون المحاسبة بما يسمى (معاداة السامية) والتمكين من محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه.
واللافت هو مشاركة المخابرات المركزيه الامريكيه سي اي اي، بكل جهودهابالبحث عن قادة المقاومة في غزة ورفح تحديدا، واماكن تواجد الأسرىالصهاينة، لتصل الى نتيجة مؤداها، ان القضاء على المقاومة منالمستحيلات وإن احتل الكيان كل غزة.
إن هذا الواقع وما يرتبط به، جعل الإدارة الأمريكية تتخذ الخطوات الناعمة، للقفز من قارب الكيان المتهاوي.
وهو ما حدا بالنظام المصري للانضمام إلى دعوة جنوب افريقيا في المحكمةالجنائية الدولية. وهي المحكمة التي باتت قاب قوسين او أدنى، من إصدارقرارات اعتقال ، وتوقيف غير مسبوقة ،وكذا الدعوة إلى وقف إطلاق النار،بعدما تأكدت بالتقارير ،عدم امتثال الكيان الصهيوني للمًهل الممنوحة له ، لاتخاذ ما من شأنه تجنيب المدنيين الإبادة الجماعية ،التي يتم ارتكابها وهيتًهم مثبتة بتقارير أممية.
والنظام الرسمي العربي وجد نفسه بين سندان دعم الكيان المرتبط بهاساسا، ومطرقة تنامي العداء لهذا الاحتلال على مستوى العالم ،وتهاويأسطورة قوة ردعه، بحيث لم تعد تنفع معه كافة أشكال الدعم غير المسبوقةالتي قدمت له.
فما بدا في 7 أكتوبر 2023 لم يكن مجرد عملية عسكرية تحررية في غزة، ولكنها كانت إعادة إحياء القضية الفلسطينية على مستوى العالم ، فقلبت كلالمفاهيم وأعادت تأطير الوعي الجمعي العالمي، تجاه النظرة إلى هذهالقضية، وباتت المناصرة لها تعبيرا عن الوعي الإنساني، الذي سرعان ماتحول من داعم للكيان الى دائن لأفعاله.
ولعل ما كتبه يوسي كلاين في صحيفة هآرتس ، يوضح بعض الصوره عندمايقول: ( الآن بعد 76 عاما ما زلنا نتساءل إذا ما كنا سنكون هنا في السنهالقادمه) .
ويتابع( نحن ظاهره لا توجد دولة في العالم بعد 76 عاما على استقلالهايتساءل مواطنوها عما إذا كانت هي نفسها ستبقى موجودة) .
والحقيقة الثابتة في أذهان الجميع اليوم ،هي أن المركب الصهيوني بدأبالغرق وان معركة غزة “طوفان الاقصى“ فتحت أبواب دمار الكيانالصهيوني ونهايته إذ سيخرج العدو من غزة بجيش مهشم ملطخ بالدماءوالعار والهزيمة وكيان آيل للسقوط .
ولابد تنتهي الحرب في غزة، وهي كذلك في النهاية، ولكن الكيان والحركهالصهيونيه العالميه قد دخلت في حرب جديدة لم تكن مستعدة لها ،وهيحربها على العالم الحر باجمعه.
والحقيقة الماثلة للعيان اليوم، هي أن هذا الكيان لا يغرق لوحده انما بدأيًغرق كل شركائه الذين وقفوا معه على مدى 76 عاما مضت، على إعلانقيامه كمشروع صهيوني عالمي.
فقد تم تجنيد الدعم لهذا العدو بشكل غير مسبوق على مر التاريخ سواء كاندعما اقتصاديا او سياسيا او عسكريا او ثقافيا ومنحت له كافة التسهيلاتللسيطرة على الفكر العالمي ولكن كل ذلك سقط أمام طوفان الأقصى.
فما الذي حدث:
١- القضية الفلسطينية عادت بقوة بعد ما توهم الصهاينة وأعوانهم أنهمنجحوا في وأدها.
٢- رأي عام عالمي غير مسبوق يدعم القضية الفلسطينية ،ويقف في وجهالصهاينة وأعوانهم من الغرب والنظام الرسمي العربي. وهو ما تجلى فيالإجماع على مشروع استيفاء فلسطين لكافة،الشروط لتمتعها بعضويةدائمة،في الجمعية،العامة للأمم المتحدة، وما كان هذا ليحدث لولا طوفانالأقصى والتبدل في النظرة العالمية،لمظلومية الشعب الفلسطيني، وليسالتزلف السياسي للسلطة والارتهان لاتفاقات إذعان أضرت بفلسطينوقضيتها، وبالتالي لم يكن مطلوبا من العالم أن يكون ملكيا أكثر من الملك.
٣- أوضحت للعالم الديمقراطي أجمع أن الصهيونية هي عدو الديمقراطية.
٤- كشفت للغرب أن نظامهم السياسي مرتهن للصهاينة بشكل فاسدلتحقيق أهداف شريرة ،وهذا في طريقه إلى التغيير لأول مرة في التاريخ.
٥- عرفت شعوب العرب أنهم ضحية انفسهم ليس إلا ،وأنهم يستطيعونالتحرر أن فقط أرادوا.
٦- كشفت الغث العربي من السمين.
والأزمة الصهيونية بعد 76 عاما على إنشاء الكيان هي ازمة وجودية، لاتتعلق بالأشخاص ،كما يحاول الاعلام الصهيوني تصويرها، بل تتعلقبمستقبل هذا الكيان كمشروع استعماري.
ولنفترض جدلا أن الموضوع يتعلق برئيس الحكومة نتنياهو وحكومته، فماالذي يمكن ان يفعله أي بديل آخر أكثر مما فعله نتنياهو؟المزيد من استخدامالعنف والقتل والتدمير؟ التهجير؟وتحميل المسؤوليات عن الإخفاق العسكريوالأمني والاستخباري؟.حتى لو استخدم القوة النووية ، فلن يفلح ما دامتالعقيدة الصهيونية أصيبت بمقتل جنون العظمة.
ان جل هذه الأمور لن تغيّر في الواقع شيئا، فقد كشف طوفان الاقصى انهذا الكيان ليس سوى غول كرتوني انكشف على حقيقته وهو قابل للهزيمةعندما نمتلك إرادة حقيقية لمقاومته، وهي ارادة تدعمها إيمان بالوطن، وبالتالي اقتفاء كل مناحي ضعف العدو وضربه من حيث لا يحتسب.
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني