الكاتب:د. حسين موسى
ما أن أعلنت القمة العربية المنعقدة في البحرين عن قراراتها، التي أُعلنت على عجل، حتى تلقت أول الضربات السياسية من الإدارة الأمريكية، حين صادق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يمنع الإدارة الأمريكية، من حجب او وقف أو إلغاء مساعدات أمنية للكيان الصهيوني.
وينص مشروع القانون على عدم جواز استخدام الأموال الفيدرالية ،لحجب أو وقف او الغاء تسليم المواد الحربية أو خدمات الحرب، الى كيان العدو والتي تسميها” الخدمات الدفاعية”، كما لا يجيز استخدام أي أموال لدفع راتب أي موظف في وزارة الحرب، أو وزارة الخارجية الأمريكيتين، يعمل على الحد من تسليم أدوات الحرب للكيان الصهيوني.
كما يلزم القرار الوزارتين المذكورتين الالتزام بأي أموال متبقية لمساعدة كيان الاحتلال.
ومشروع القرار الأمريكي المذكور، تمت المصادقة عليه، ولم يترك مجالا للإدارة ممثلة برئيسها بايدن من حتى المناورة السياسية في إجبار الكيان لتغيير سلوكه العسكري في الحرب على غزة أو فرض أية إملاءات عليه.
أمام ذلك، كانت القمة العربية في ختام اجتماعها السريع، تعلن نتائج هذه القمة بقرارات لم ترتقي إلى مستوى تكاليف هذه القمة، وما أهدر فيها من أموال الضيافة والإقامة.
ولعل أبرز ما يُسجل لهذه القمة، هي نجاحها في التوازن بين المواقف المعلنة للمجتمعين وما يدور خلف الكواليس والغرف المغلقة من حقيقة حاجة البعض للتخلص من غزة وفلسطين برمتها، حيث جاءت القرارات تساوي بين الجلاد والضحية، دون وجود أي تهديد لفظي بالعمل على وقف الحرب والعدوان على غزة، وكأنّ القمة منفصمة عن قرارات القمم السابقة، التي وضعت آليات تحرك سياسي لإيجاد حل ما.
وما يدلل على ذلك عدم وجود أية إشارة إلى مساءلة اللجان المكلفة بالتحرك لإيجاد حلول، ووقف العدوان كما أقرته القمة السابقة .
وعلى العكس من ذلك كانت القمة مجرد نفير توافقي، ليصب كل منهم جام غضبه على فلسطين ومقاومتها، وتجديد عهد الولاء للمشروع الصهيوني.
ولعل مراجعة خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، تبيّن بوضوح أن الكيان الصهيوني برؤاه السياسية هو من مثل فلسطين بهذه القمة .
وهذه القمة كانت مناسبة للسلطه الفلسطينيه، للتسوّل عند أعتاب القادة العرب، ومطالبتهم بثمن التغيير الحكومي الذي أجراه رئيس السلطة قبل أشهر قليلة، عبر ما يسمى حكومة تكنوقراط محملاً المقاومة الفلسطينية مسؤولية ما حدث في غزة ومتناسياً ما يحدث من اجتياحات صهيونية لقرى ومدن الضفة الغربية .
وقد نسي رئيس السلطه والذي لقن كلمته، أنّ الشكر الذي وجهه لانتفاضة الجامعات في العالم، يعود الفضل فيه لمقاومة فلسطين، وصمود شعبها في غزة والضفة .
وإذا كنّا نتفهم مواقف البعض تجاه العدوان الصهيوني على فلسطين، فإننا لا نستطيع أن نتقبل مواقف السلطة التي بررت للعدو منذ 76 عاما ،وجوده وإمداده بكل عوامل التقوي، لإدارة عدوانه المستمر مذ ذاك، على كل الصعد.
والمؤلم هنا أنه وبرغم ما تلقّاه العدو من الهزائم، كان يجب على السلطة الفلسطينية، أن تلتقطها على الاقل لتحسن من موقعها، وترفع سقف مطالباتها، هذا إذا لم تستطع أًن تقفز من عربة القطار الصهيوني المتهالك.
وما تحقق على مستوى هزيمة المشروع الصهيوني عالميا، في المجال السياسي والدبلوماسي، كان فرصة ملائمة لهذه السلطه ،لوضع قرارات المجلس المركزي الفلسطيني موضع التنفيذ، وليس الاكتفاء بالتهديد بها.
فالتحول في الموقف الأوروبي تجاه فلسطين، يحتاج إلى استثمار سياسي مختلف عن سلوك هذه السلطة التي تتعامل كما النعامة ،وهي تدرك أن هذه الانجازات، جاءت كنتاج لطوفان الاقصى ليس إلاّ.
وما يمكن أن نفمه من خطاب السلطة الفلسطينية السياسي، أنها تتساوق مع الخطاب الصهيوني في رؤيته لما يجري، بل تشكل له الأرضية والمناخ، ليمعن في مشروعه التصفوي في غزة وفلسطين، حيث تؤمن أن فكرة العدوان جاءت كرد فعل صهيوني ، مقدّة العربة على الحصان ،متجاهلة أن أصل المقاومة هو حق طبيعي للشعوب في مقاومة الإحتلال، فإذا لم يكن هناك احتلال فما الحاجة للمقاومة؟.
والسؤال الذي يجب على السلطة الفلسطينية أن تجيب عليه:
هل خطاب رئيسها في القمة العربية وغيرها، هو نتاج توافق وطني فلسطيني؟.
وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني انخراط غالبية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في مقاومة المشروع الصهيوني سواء في غزة أو الضفة ؟.
واللافت أن ما هدد به رئيس السلطة من تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني،هو إدانة له ، وهو المعني بوضع القرار والقرارات المشار اليها ذات الصلة، في البازار السياسي لمزيد من التسول.
واليوم وبعد إعلان العدو الصهيوني، فك الارتباط في شمال الضفة الغربية ،فماذا بقي للسلطة لتهدد به، وما قيمة قراراتها السالفة في هذا المجال؟
ألم يستبق الكيان الصهيوني هذه القرارات، وبالتالي افرغها من مضمونها ومن أي مكتسب يمكن أن تحققه السلطة .
من المؤسف القول أن السلطة الفلسطينية تمارس جاهلية سياسية ،تصنع أصناماً من تمر تأكلها في أول لحظة جوع.
إن من أهم مقتضيات المرحلة السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية، هي انعقاد اجتماعات منظمه التحرير الفلسطينيه بشكل دائم وعاجل، لدراسه التطورات التي تمر بها فلسطين والمنطقه، واتخاذ القرارات الوطنية بالاجماع ،وإجبار السلطة الفلسطينية، لتكون أداة تنفيذ للقرارات، وليس صنع قرارات لا تمثل الإجماع الفلسطيني.
فكفى لهذه السلطه أن تغرد باسم فلسطين خارج السرب الوطني، وعلى فصائل السلطة ان تقول كلمتها ،لأن التاريخ لن يرحم.
والسلطة الفلسطينية، أكثر من يعلم أنها أول الساقطين، بسقوط المشروع الصهيوني والوقت ينفذ.
فكل التصريحات حول اليوم التالي تتجاهل وجود هذه السلطة ودورها ،ليس في غزة ،بل امتد الأمر إلى الضفة الغربية ،التي ستشهد تحولات سياسية وعسكرية، ستقلب كل الموازين.
فأزمة السلطة ليست بنيوية في حكومة تكنوقراط وغيرها، بل بخروجها عن المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يفترض أن يكون حاضراً في اليوم التالي، ويستند إلى زخم نضالي، عبر حوار وطني فلسطيني شامل لا يستثني أحداً من الفصائل الفلسطينية،يرسم مستقبل فلسطين بعيداً عن الفصائلية والحزبيات الضيقة.
فنتائج طوفان الأقصى على المستوى العالمي متسارعة، وستتسارع في المدى القريب العاجل، وهو الأمر الذي يقتضي من أصحاب القضية الفلسطينية، الترفع عن خلافات البيت الفلسطيني وأن يكون لهم مشروعهم الوطني ليجيب على استثمار هذه الإنجازات، وبالتالي وضعها في إطار التحرر الوطني الفلسطيني المنشود.
د حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني
مختص بالشؤون الفلسطينية والصهيونية