الكاتب: د.حسين موسى
دون سابق إنذار، أعلن جيش الكيان الصهيوني هدنة مؤقتة، تمتد لساعات يوميا في جنوب قطاع غزة، وعلّل الجيش قراره هذا بما أسماه إدخال المساعدات عبر منطقة تمتد من معبر كرم أبو سالم الى شارع صلاح الدين.
وما أن تم الإعلان عنه عبر قيادة المنطقة الجنوبية، حتى أثير اللغط حول هذا القرار ومشروعيته.
فقد اعتبر رئيس الحكومه الصهيونيه نتنياهو أن قرار ساعات التهدئة غير مقبولة، فيما نفى جيش الكيان أن يكون قرار التهدئة التكتيكية ، مخالف لموقف المستوى السياسي.
وقال نتنياهو خلال اجتماع الحكومة، أن الكيان ”دولة لها جيش ولا جيش له دولة” في هجوم على قيادة الجيش .
وهذا السجال بين نتنياهو وقيادة الجيش الممثلة بمجلس الحرب، ليس جديدا ، سيما أنه جاء بعد إصدار المحكمة العليا الصهيونية، أمرا احترازياً بوقف تحقيق مراقب الدولة في اخفاقات الجيش والشاباك في ٧ أكتوبر.
في هذا الوقت تصاعدت أصوات كبار ضباط الاحتياط في الجيش الصهيوني، ان الكيان الان ينتقل لأخطر مراحله، وينزلق ببطء نحو فقدان المبادرة وحرب الاستنزاف حسب اللواء المتقاعد يسرائيل زيف.
وهذا اللغط يذكرنا بالأيام التي سبقت قيام العدو باجتياح رفح ، متذرعا بفشل المفاوضات في أيار 2024، وهو اجتياح سبقه العدو بوابل من التهديدات امتدت لأشهر.
واليوم فإن الكيان ، ومنذ وقت يمهد لعدوان على جنوب لبنان معتبراً ان الوضع في الشمال بات يشكل تهديداً وجودياً، سيؤثر على مستقبل الكيان.
وهو أمر حذر منه اللواء الاحتياط المتقاعد إسحاق بريك، منبهاً” إن أي قرار من نتنياهو” لمهاجمة المقاومة في جنوب لبنان، سيجلب محرقة على الكيان الصهيوني، معيداً التأكيد على تصريحات سابقة، بأن الحرب على غزة فقدت غايتها وهي مستمره فقط من اجل مصلحة نتنياهو. مشيرا الى ان الجيش تقلص قدراته وبات لا يمكنه الانتصار على المقاومة في غزة.
وحقيقة الأمر، أن العدو يفكر في شن عدوان على جنوب لبنان، مستهدفا المقاومة هناك، حيث أن عملياتها قد أوجعت الكيان الذي أعلن أن عودة المدارس، لن تكون متاحة قبل أيار القادم ، أي بعد عام من الآن، كما أعلن العدو أن الحرائق امتدت لنحو من 40,000 دونم، واستحالة العيش في ظل التهديد القائم، مع توسيع رقعة المواجهة، واستهداف شمل مرتكزات شن عدوان على المقاومة مستقبلا.
اذا نحن امام مقدمات عدوان يمثل بالنسبة للكيان هروباً للامام، من استحقاق الهزيمة القائمة، التي أوجعته في غزة.
واللافت هو أن الإدارة الأمريكية، بدأت فعليا التمهيد لموافقتها الجزئية على هذا العدوان، وهي تستحضر موافقتها على عدوان رفح، ملتمسين الأعذار للكيان، مبررة ذلك بأن العملية ستكون جراحية، محدودة، تبعد الخطر الكامن خلف الحدود الشمالية، مع خوفها من توسع الحرب الى المستوى الإقليمي.
ومن يقرأ تصريحات الإدارة الأمريكية في أعقاب الفخ الذي وقعت بشراكه، في قرار مجلس الأمن رقم 2735 والذي تم بإجماع 14 عضوا وامتناع عضو على التصويت، هو قرار مرحبا به من المقاومة.
ولما كان القرار من صنع الادارة الامريكية استجابة لطلب صهيوني ، وتم عرضه وتبنّيه على أنه مشروع قرار للكيان الصهيوني، إلا أن هذه الإدارة، سرعان ما حمّلت المقاومة مسؤوليته قبل أن يجف حبره، في ضوء عدم وضوح موافقة الكيان عليه.
فهل يكون إفشال القرار 2735 الذريعة للعدوان على الجنوب؟ وهل الكيان بحاجة الى قرار بهدنة تكتيكية غزة لإدخال المساعدات ؟ أم أنها قنابل دخانية للتغطية على سحب قوات كبيرة لصالح معركة الشمال؟.
خلاصة الأمر :
أن قواعد الاشتباك قد تغيرت بشكل لافت، إذ تعتمد المقاومة على ضرب كل أسس انطلاق العدوان، الاستخبارية والأمنية، والعسكرية، واللوجستية، في حين يركز العدو على استهداف قيادات عسكرية، إذ لا أهداف ظاهرة يمكن قصفها. وهذا اختلال في ميزان القوى لصالح المقاومة ومحورها ، واستمرار هذا الوضع يعني الاقتراب من هزيمة المشروع الصهيوني برمّته.
ولا ضير في حسابات نتنياهو من توسيع العدوان إقليميا إذا كانت النتيجة واحدة وهي هزيمة المشروع الصهيوني ، وأمام ذلك فليحترق العالم، فلا قيمة لحليف وصديق إذا ما وصل الأمر إلى وجود الكيان أو عدمه.
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني
مختص بالشؤون الفلسطينية والصهيونية