اتفقت الفصائل الفلسطينية، خلال لقائها في الصين، على وحدة فلسطينية شاملة، تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، طبقا لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة طبقا للقرار 194.
كما اتفق المجتمعون على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه، وفق القوانين الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، وأن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة، بتوافق الفصائل الفلسطينية، بقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية، بأسرع وقت، وفقا لقانون الانتخابات المعتمد، وكذا التأكيد على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي، وفق وثيقة الوفاق الوطني عام 2011 حتى تشكيل المجلس الوطني الجديد وفقا لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية.
ربما هذا تلخيص لما صدر عن الاجتماع في بكين .
ويمكن القول أن اجتماع بكين، بمخرجاته، ليس الأول، ولن يكون الأخير، حيث جرت مبادرات واجتماعات وجهود لا حصر لها فلسطينية وعربية ودولية، ليس ابتداء باتفاق مكة 2007 وانتهاءً اجتماع الأمناء العامين 2020.
واجتماع بكين وما سبقه من مد وجزر منذ نيسان 2024 يحمل في طياته بذور الفشل والانهيار، كونه يقف على رمال متحركة، إذ يركّز على الجوانب الشكلية والإجرائية، وتجاهل الجوانب السياسية، وإن كانت مسألة الانتخابات او المنظمة هي الظاهرة في لغة البيان.
إذ أن الأساس والمعيار هو البرنامج الوطني، وهو أهم قضية ،والمفتاح الوحيد لابواب الوحدة المغلقة ،والشراكة ضمن الرزمة الواحدة الشاملة، التي سبق ان اشرنا اليها، وهي خلاصة دراسات ووثائق وتوصيات النخب الفلسطينية للخروج من الأزمة.
تتضمن مقاربة الرزمة الشاملة:
البرنامج السياسي، وأسس الشراكة وتشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، التي تؤمن بالشراكة، حيث يتم تشكيل مجلس وطني جديد وفق النظام السياسي للمنظمة، اضافة الى تشكيل إطار قيادي مؤقت الى حين اجراء الانتخابات على كل المستويات والقطاعات حيثما امكن ،داخل فلسطين وخارجها.
ويجب ان تطبق الرزمة الشاملة، بالتوازي والتدرج، أي أن يتم تشكيل الحكومة في ذات الوقت الذي يجري فيه تشكيل وتفعيل الإطار القيادي المؤقت، الى حين اجراء الانتخابات. وتقوم الوحدة الوطنية، ليس على نظام المحاصصة، وإنما على أساس توازن المبادئ والمصالح.
وحل الرزمة الشاملة، ربما يتسم ببعض التعقيد، ولكنه مضمون النتائج الايجابية، سيما ان الاتفاقات الجزئية والإجرائية، لم تر النور او لا تصمد، الأمر الذي عمق الانقسام افقيا وعموديا.
وحل الرزمة بحاجة إلى تغيير في الخريطة السياسية، وموازين القوى الفلسطينية، والمقاربات المعتمدة والأشخاص المشاركين.
الحلول الترقيعية المعتمدة في الاتفاقات السابقة، كانت وليدة ظروف وعوامل محلية واقليمية ودولية، وما ان تغيرت هذه الظروف، حتى عادت الأمور وكأنها لم تكن.
وربما نفهم التفاؤل الحذر حول اتفاق بكين كونه يعقد في ظل الظروف والتطورات التالية:
أولاً: استمرار حرب الإبادة والتهجير في غزة، وعدم نجاح التوقعات بهزيمة المقاومة ،وخطة الضم المتدرج، والتهجير في الضفة، في سياق تنفيذ خطة الحسم التي طرحها سموتريش وتؤكدها حكومة العدو الصهيوني وترمي تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.
وهذا يعني عودة عهد الوصاية، والبدائل الإقليمية و الصهيونية والامريكية، وقرار الكنيست يرفض قيام دولة فلسطينية بتأييد الأحزاب في الحكم أو المعارضة ، وكلها أدلة على عدم امكانية فتح أفق سياسي، ما دامت موازين القوى الحالية.
ثانياً: الانتخابات الأمريكية، وفرص فوز دونالد ترامب، الأمر الذي يجعل القيادة الرسمية الفلسطينية، تخشى امتداد السياسة السابقة ودعم حكومات اليمين الصهيونية.
ثالثاً: ازدياد الحاجة إلى ترتيب البيت الفلسطيني، استعدادا لوقف الحرب، وإعادة الإعمار والبناء ،حيث ثبت أنه دون وفاق فلسطيني لن يكون هناك( يوم تالٍ) ولا حكومة فلسطينية قادرة على الحكم.
رابعاً: تزايد المطالبات بالعمل على تنشيط السلطة ،عبر إيجاد سلطة متجددة، وهو ما يعكس عدم رضا امريكي واوروبي وعربي، عن السلطة الحالية ،ومسعى تحويل رئيسها الى رئيس فخري، وتشكيل حكومة ذات صلاحيات، تقوم بالاصلاحات المطلوبة أمريكياً وتجعل السلطة أكثر خضوعا.
خامساً:إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والزخم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، يوجب رص الصفوف الفلسطينية، تمهيدا لشن هجوم سياسي، يهدف إلى توظيف الفرص المتاحة، وجسر الهوة، بين حضور القضية وابتعاد الحل.
ومن هنا ربما نحن بحاجة إلى صياغات جديدة قابلة للأخذ والرد، وتجاوز كل العقبات سريعا، حول إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك يجب ان تكون هناك إجابات واضحة حول تشكيل وصلاحيات الإطار القيادي المؤقت الذي يؤمن بالمشاركة في صنع القرار السياسي.
إن أهم ما يجب ان يكون هو الاتفاق على البرنامج السياسي، الذي يجسد القواسم المشتركة.
فالاتفاق على إنهاء الاحتلال، وإنجاز الاستقلال الوطني، وحق العودة، تستلزم تحديد الأساليب التي توصل إلى ذلك، وتشريع أشكال المقاومة بشكل واضح وجلي، وعدم تجريم القائمين عليها وملاحقتهم بل دعمهم، وبالتالي وقف كل حملات التحريض الإعلامي ضد اي من اشكال المقاومة ، بل رص الصفوف خلفها كونها تشكل إجماعا وطنيا.
وهنا لابد من التأكيد أن السلطة الفلسطينية، تدرك أنها على حافة الانهيار، وهو سبب ركضها الى بكين، وقد كانت عرقلته منذ نيسان 2024 وبالتالي إن نواة الدولة والاستقلال يجب ألا تعيد إنتاج المقاربة القديمة، التي تتحدث عن الالتزام بالتزامات المنظمة، والمقصود بها المترتبة على اتفاقات اوسلو، لان اوسلو قتلته الحكومات الصهيونية المتعاقبة، بانتظار من يدفنه ويفخر نتنياهو أنه من حقق ذلك.
فالتخلي عن الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية المترتبة، على اوسلو، تعتبر شرطا لازما لعبور مرحلة الانقسام السياسي الفلسطيني، إذ لا يكفي تبني الحقوق الوطنية، بل الشرط الآخر هو التسلح بما حققته المقاومة والبناء عليه ، مضافا الى ذلك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، بما فيها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ،الأول 2004 والثاني 2024 و المطالبة بالالتزام بها، بوصفها مرجعية ملزمة، قبل انطلاق أي عملية سياسية، بهدف تطبيقها وليس التفاوض عليها، على اساس ان المطلوب هو انهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال الوطني من خلال النضال وتغيير موازين القوى، والضغوط الداخلية والخارجية على الكيان الصهيوني.
اننا نعتقد ان قوى المقاومة تحتاج إلى عدم التردد بحسم خيارها السياسي مع إدراكنا للظروف الراهنة وصعوبتها والحاجة لمتنفس دولي ربما كانت الصين او روسياً ستحققه..
ونستغرب كيف تم استبعاد العديد من الفصائل المنضوية تحت محور المقاومة بينما احضر عباس ومحوره كل عديده الى بكين؟؟!!!
ان شكل أي بيان سياسي لا تحدده اللغة الإعلامية والبلاغية التي يكتب بها، وإنما بالقدرة على أنه يعكس الواقع ويرى من خلاله المستقبل والمآل، وبالتالي تحويله من لغه الى تطبيق.
ويبقى السؤال من هو الضامن لتطبيق بيان بكين؟ وما هو الوقت اللازم للتنفيذ؟وهل ستتوفر لدى السلطة الفلسطينية الإرادة السياسية لتفعيل مخرجات بكين؟.
أسئلة تحتاج إجابات وهي في سلّة توقعاتنا ولكن سنترك إثباتها في القليل القادم من الأيام.