الكاتب: د حسين موسى
ربما نجح العدو الصهيوني باغتيال القائد الشهيد اسماعيل هنية في طهران، وقد يكون نجح نسبيا في تأليب البعض على الدور الذي تلعبه ايران في ادارة محور المقاومة المساندة فلسطين ومقاومتها، ولكن من الثابت ان المقاومة في فلسطين ولود للقادة، وجيل القادة لا يقل تمسكا بالحق عن الشهداء.
الشهيد القائد اسماعيل هنيه هو سليل مدرسة المقاومة، التي قدمت على مذبح الوطن الاف الشهداء وهذه مدرسة بعقيدتها لا تقبل المساومة، بل الاكثر اصرارا وقوة حتى بلوغ الأهداف.
وحتى لا تضيع البوصلة عن الجاني، لابد من تبيان المقدمات والأهداف:
ففي المقدمات، فان الاغتيال كان خاتمة لتهديدات من أطراف عربية و غربية وصهيونية، حيث تم توثيق تصريح الشهيد اسماعيل هنيه في اخر تواجد له في القاهرة، إذ أعلن أن تهديدات وضغوط سياسية مورست على وفد المقاومة المفاوض لتقديم تنازلات لصالح الورقة المصرية، التي قدمت في ايار 2024، قبيل اجتياح رفح ،ووصل الأمر الى عدم السماح للوفد بمغادرة القاهرة قبل القبول بهذه الورقة.
وحين ذاك قال الشهيد القائد انني لست ياسر عرفات (ابو عمار) في اشارة الى التنازل عن الثوابت.
كما تؤكد الأخبار الموثقة، في وسائل الإعلام المختلفة، طلب وفد التفاوض برفض إجراء أية مفاوضات في القاهرة، والقبول بأية عاصمة أخرى، كما أشيع آنذاك أن نتيجة الضغط الأمريكي الصهيوني وصل الى قطر، لطرد عناصر المقاومة المقيمين مؤقتا في الدوحة، حيث أبدت تركيا استعدادها لإيوائهم والدخول طرفا في رعاية المفاوضات.
ولمّا لم تنجح التهديدات تلك في ثني المقاومة عن أهدافها، فقد تم اعطاء الضوء الاخضر للكيان الصهيوني لاجتياح رفح والسكوت عن دخول القوات الصهيونية عبر محور فيلادلفيا الذي تسيطر عليه مصر، وكان رأس الحربة في احتلال معبر رفح وإحكام الحصار الخانق على غزة، وإنشاء ممر ديفيد بطول 13 كيلو متر امتدادا من معبر كرم أبو سالم وصولا لشاطئ البحر بمحاذاة الحدود الدولية مع مصر بعد تدمير كلي لكل البنى وتجريف المساحة، واعتبارها منطقة عسكرية صهيونية.
وهذا الدور هو عبارة عن شراكة في المخطط توصيف جرميا ،كما تحدده القوانين الدولية.
وأمام ذلك ويسبب فشل العدو في رفح ومماطلته في قبول خارطة بايدن وإدخال تعديلات شبه يومية عليها ،طار نتنياهو الى نيويورك في جعبته هدفين:
الاول : التهديد بشن حرب إقليمية يتورط فيها محور العدوان كافة، والحصول على أسلحة وتكنولوجيا متطورة، وقد حصل على 50 طائرة من طراز اف 15 و قنابل زنة 2000 رطل, تم تجربتها في مجزرة النصيرات ومسح مربعات سكنية بأكملها.
الثاني : اخذ الضوء الاخضر في استهداف ما يراه الكيان مناسبا من عواصم, وكانت عملية الحديدة في اليمن، حيث تم القاء 10 طن من المتفجرات والصواريخ التي طالت مرافئ ومرافق حيوية، وحجم دمار هائل، وما كان ليتم لولا مساعدة أمريكية وعربية، للوصول الى هذا العمق وما يستلزمه من تزود بالوقود ،والعبور فوق دول يتطلب الامر اعطاء الاذن لها بالمرور.
كما تم استهداف بيروت عبر الضاحية الجنوبية، في عمليات اغتيال رموز قادة، وكذلك استهداف المقاومة في طهران.
والسؤال لماذا طهران؟
كان يمكن للعدو الصهيوني ان ينفذ جرائمه وبمساعدة أدواته والترخيص الأمريكي بالقتل، في اي عاصمة، وسبق ان نفذ مثل هكذا عمليات في باريس وقبرص وبلغاريا والإمارات وتونس وغيرها من العواصم ،حيث يمكن الرجوع إليها وهي موثقة في وسائل الإعلام، ورافقها ردود فعل محدودة ،لا تعدو عاصفة في فنجان ،ولم يتم توجيه أي اتهام لهذه العواصم بالتواطؤ ، كما حدث مؤخرا.
اذا هناك اهدف!.
لقد تم تنفيذ عملية اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري في المقاومة الاسلامية في لبنان، وذيلت التصريحات صهيونيا بعبارة( انه مطلوب للاستخبارات الاميركية اف بي اي بسبب قيادته الهجوم على قوات المارينز الأمريكي في بيروت 1983) وهذا لفت نظر إلى أن الكيان يسدي خدمة للادارة الامريكية بذلك.
وتأتي عملية اغتيال القائد اسماعيل هنية في طهران، بعد عدة ساعات.
لقد كان ممكنا تنفيذ الاغتيال في غير عاصمة عربية، ولكن الهدف الكامن من وراء ذلك هو محاولة تأليب الرأي، على دور طهران في العملية، وقد تم رصد سيناريوهات عدة لمحللين من الذباب الالكتروني، الذي برأ الكيان الصهيوني من العملة، وتحميل طهران المسؤولية، في اشارة الى فتنة في محور المقاومة، والتشكيك بأهدافها بان امريكا هي الشيطان الأكبر، وهي الأم الشرعية للكيان الصهيوني وحاضنته.
ويتضح هذا الهدف بالفتنة من احجام الكيان الصهيوني عن الإعلان الرسمي عن مسؤوليته عن هذه العملية، وتوجيهات صهيونية مشددة من قبل نتنياهو للطاقم الحكومة، بعدم التعليق على الامر اعلاميا.
وهنا يمكن الاشارة الى ان هذه العملية، تمت بمساعدة استخبارية تكنولوجيا بامتياز، لا يقدر عليها الكيان الصهيوني لوحده طبقا لطبيعة المنطقة الجيو السياسية، والبعد في المسافة بين المُنفّذ والهدف، وهو ما يتطلب اشراك اكثر من طرف، تماما كما حدث بعملية اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة. عبر نصب رشاش ثقيل، يدار بواسطة الأقمار الصناعية.
وعدم الإعلان الصهيوني عن تبني هذه العملية كان إذا:
لتجنب التبعات العسكرية والسياسية، حيث تم الاعتداء على دولة اخرى ،كما ان المستهدف ضيف رسمي على المرشد الايراني شخصيا ،وهذا له تبعاته.
توفير المناخ لأبواق الإعلام لتنفث سمومها وتصطاد في الماء العكر الذي وفرته عملية الاغتيال، وهذا ما جرى فعلا استباق لنتائج التحقيق الرسمي الايراني.
ويمكن القول انه ربما نجح الكيان الصهيوني في استهداف القائد الشهيد اسماعيل هنية، ولكنه فشل في التأثير على صلابة تماسك محور المقاومة، بل شجعها على المضي قدما على تلقين العدو درسا لن ينساه.
وما فات العدو وأدهشه أن الالتفاف الجماهيري والشعبي، وحتى الرسمي شكل استفتاء لحضور المقاومة في الذاكرة الجمعّية العربية والدولية، وشكلت صور القائد الشهيد على وسائل التواصل الاجتماعي أكبر (trend) نسبة مشاهدة وتفاعل غير مسبوقة.
إن ما يلفت النظر هو قيام الإدارة الأمريكية بتعزيز تواجدها في المنطقة، والدفع بالمزيد من أدوات القتل من طائرات و اساطيل، ورفع نسبة التأهب إلى الدرجة القصوى، ما يؤكد علمها المسبق بالعملية، التي تنطحت في الدفاع عن الكيان الصهيوني أداتها، ونسيت انها سابقة في التاريخ ان يقوم المفاوض بقتله من يفاوضه.
ولعل السؤال الذي يبرز هنا:
هل استطاع العدو من وراء هذا التصعيد استعادة الاسرى ؟او القضاء على المقاومة في فلسطين وغزة؟
والإجابة المبدئية على هذا التساؤل جاءت من وسط الكيان الصهيوني أن هذا التصعيد هو منزلق سيدفع الكيان ثمنه و ربما يكون الثمن وجود الكيان ذاته.
فالحرب الإقليمية ستعلن نهاية هذا الكيان لسقوط كافة الخطوط بالوانها المختلفه.
د حسين موسئ
كاتب وصحفي فلسطيني مختص بالشؤون الصهيونية