ليس خافيا على أحد بعد اليوم، أن المقاومة في جميع ساحاتها قد قالت كلمتها وهي كلمات الحق في وجه الباطل الذي تمثله قوى والعدوان والبغي، التي اجتمعت في تحالف غير مسبوق، للدفاع عن مشروعه الذي بات الخطر عليه وجودي، وتعدى موضوع الأمن الصهيوني.
وما حققته المقاومة على مدى الأشهر الماضية، منذ طوفان الأقصى 7/10/2023 بات ملموساً وواقعاً، يعترف به العدو قبل الصديق.
ولأول مرة في تاريخ الصراع تنتقل المعركة إلى معركة وجود، رغم ما يملكه محور البغي والعدوان من مقومات القوة والبطش وتحالف، استخدمت فيه كل وسائل الحرب والعدوان سياسياً وإعلامياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكن وقائع الميدان بما تملكه المقاومة من وسائل الدفاع، أربكت هذا المشروع ،بل أوقعت به الهزائم ،ولم تعد تنفعه كل إمكاناته ،بل باتت خشية هذا المحور هي انهيار أداته، الكيان الصهيوني برمتها، الذي يعاني أمر وجود، في وقت كانت المعارك السابقة تدور في إطار تثبيت الأمن لهذا الكيان.
وما أقدام العدو الصهيوني على نقل المعركة خارج حدود فلسطين، إلا دليلا على إفلاس العدو، الذي يحاول بمساندة محور العدوان على اغتيال قادة ومناضلين، ظنا منه أنه ينهي المقاومة، أو يحدث فيها أرباكاً، وما اغتيال الشهيد القائد إسماعيل هنية في طهران، وقبلها العروري في بيروت، إلا محاولة يائسة من العدو للحصول على صورة نصر لن تغني عن هزيمته المحققة شيئا، بل ثبت للقاصي والداني أن المقاومة ولود ولا تبني مشروعها المقاوم، على هذا القائد أو ذاك، بل هي مبادئ وأهداف واستراتيجية يقودها المخلصون في معركة ما زالت مستمرة ،وهي متجذرة في صفوف المقاومة والشعب، ولا ثباتاً للعدو في محاور الميدان، وكل العناوين المخادعة للعدوان تكسرت على صخرة صمود المقاومة وجبهة الإسناد، فلا استطاع العدو كسر المقاومة وإنهائها كما هو مخطط ، ولم يستعد أسراه لدى المقاومة رغم كل القتل والتدمير والتجويع والحصار، بل إنها بنقل المعركة إلى حدود الإقليم ،وضع الكيان الصهيوني نفسه في وضع أصعب، حيث تم إغلاق منافذ الحوار، وباتت المواجهة الداخلية مع مستوطنيه غير مسبوقة، وباتت الضاغط عليه، ولذا كان التفكير بالهروب إلى الإمام ليجد نفسه في مستنقع عدوانه، إذ جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه العدوانية.
فالكيان اليوم يعيش تمزقاً سياسياً غير مسبوق، وازدياد في حجم من الخسائر المادية والبشرية، وكذلك الاقتصاد يعاني انهياراً تاماً وشللا في الموانئ الصناعية والمرافق الاقتصادية، غير مسبوقة بتاريخ هذا الكيان.
و الكيان الصهيوني يتجه إلى المجهول في ظل انسداد الآفاق السياسية والعسكرية، وعدم قدرته على تحقيق شيء.
إن هذا الكيان بات محاصراً في الغرب بفعل حرب الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين، إذ تم إصدار قرارات دولية لأول مرة تجرمه، وتؤكد بطلان شرعية احتلاله، هو وقطعان مستوطنيه، كما في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية ،والجمعية العامة للأمم المتحدة التي جرمته كواحد من أكثر الدول والكيانات قتلا للأطفال.
فمنذ 76 عاماً كان الفلسطيني هو الذي يهجر وتدمر بيوته ومصانعه ومقومات وجوده ،إلا أن طوفان الأقصى استطاع استعادة التوازن في الردع، وبات العدو يعامل بالمثل في التهجير والاقتصاد، حيث تتوقف موانئه الحيوية الجوية والبرية والبحرية. بل إن الأمر وصل إلى سقوط نظرية الخوف منه.
إنّ المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة تستدعي من الدول العربية، والإسلامية ،أن تستيقظ أمام التحديات القائمة، وخاصة النظام الرسمي العربي الذي بات مهددا في اصطفافه بشكل أو بآخر مع محور العدوان، فهزيمة المقاومة تعني أن مصير هذا النظام الرسمي العربي مهدد بالمشروع الصهيوني، الذي لم ولن يبقي المنطقة على هيكلتها الحالية، ولن نذكّر هنا بمشروع تجزئة الدول والكيانات العربية، إلى كيانات صغيرة ممزقة، ستجري على كل كيان، كما أن مشروع التهجير وإعادة التوطين هو الخيار القائم في إطار صفقة القرن.
لقد بات واضحا أن هذه الانتصارات لم تكن لتتحقق لولا وحدة المقاومة في كل ساحات تواجدها، وهي وحدة تجاوزت الفتن المذهبية والطائفية، والالتفاف حول فلسطين كقضية للأمة .
ولعل انتظار الكيان الصهيوني ومحوره رد المقاومة على عدوانه واغتيالاته،وحالة الترقب القاتلة من قبل مستوطنيه ، تؤكد مجددا ان المقاومة وحدها من يملك زمام المبادرة وبيدها مقاليد ومفاتيح البداية والنهاية، وهذه قمة الانتصار على رد الفعل الذي كانت تتسم به المراحل السابقة من هذا الصراع. ولن تنفع العدو هذه المرّة حسابات البيدر .
أن هذا الاستشعار الذي تجسد في وحدة المقاومين جعل مشروع المقاومة يسطّر النجاحات والانتصارات التي تؤسس للمعركة الكبرى القادمة، إذ أن الكيان الصهيوني بما أوتي لم يعد يمتلك مقومات وجوده.
وهنا نعيد التأكيد على أن وحدة قوى المقاومة، هي الوحدة الحقيقية التي تقلب كل الحسابات وتجنّد كل الطاقات والامكانيات لهزيمة المشروع المعادي، وهذا جوهر درس طوفان الأقصى والدرس الفلسطيني المقاوم.