أثبتت الوقائع على مدى الأشهر الماضية من عملية طوفان الأقصى، إن وحدة الساحات، كانت العامل الحاسم في إشراك جبهة الإسناد المقاومة، وزج كافة الطاقات في الفعل المقاوم، وهو الأمر الذي شكل العامل الأساس في تحقيق النصر على العدو وإيقاعه في مأزق الهزيمة التي باتت من الثوابت الميدانية٠.
وتنطلق أهمية وحدة الساحات في صب كافة الجهود والإمكانيات العسكرية والسياسية، والإعلامية، في خدمة مشروع المقاومة وعنوانه فلسطين ومواجهة الأخطار القادمة مع المشروع الصهيوني، إذ استطاعت وحدة الساحات، تشتيت حركة المشروع الصهيوني، ووقف اندفاعاته في الحصول على الإمدادات اللوجستية والعسكرية والاقتصادية بيسر وسهولة، بل وصل الأمر إلى تجفيف منابع دعمه، عبر إغلاق البحر الأحمر، واستخدام الممرات المائية، وهذا تهديد وجودي لحركة المحور المعادي في البحار الثلاث( المتوسط والأحمر والهندي)، وفشلت قوى العدوان في إحداث خرق في هذا المجال، مما حدا بشركات النقل البحري وشركة التأمين العالمية” لويد” إلى العزوف عن استخدام هذه الممرات الخطرة، والتوجه إلى مضائق بحرية أخرى، مما زاد من كلف النقل، والمدى الزمنى اللازم لوصولها إلى الكيان الصهيوني، الذي بدأ يستغيث لتوقف صناعته العسكرية المحلية، وفقدان المخزون من الأسلحة والذخائر ومقومات تصنيعها، وهذا أمر ساهمت جبهة الجنوب اللبناني في تعميق أزمته،إذ غيرت من قواعد الاشتباك، حيث وصل حزام النار إلى مسافة تتعدى 45 كلم، أي عمق الكيان، حيث تركز صناعاته، والتي باتت خشية العدو من وقوعها هدفاً مباشرا لجبهة إسناد المقاومة، وشكلت وحدة الساحات، ميداناً ضاغطاً، استلزم من العدو الصهيوني استدعاء الاحتياط، وتمديد فترة الخدمة للعسكريين المجندين
والاحتياط، مما أدى إلى سحب هذا العدد من المصانع، وخاصة العسكرية، وشبه شلل في المرافق الأخرى، حتى الجامعات، ولم توفر حملات تجنيد مرتزقة، وهم بعشرات الآلاف، للعدو البنية العسكرية القادرة على انبعاث الروح في قوة ردعه، مما اضطره إلى تغيير قوانين تحرم تجنيد المدارس الدينية” الحريديم” وهو الأمر الذي أقره الكنيست الصهيوني، مما خلق بدوره تحديات للإئتلاف الحكومي القائم على أحزاب اليمين المتدين، الذين يصرون على المضي بالعدوان، وأبنائهم لا يخضعون للتجنيد٠
فوحدة الساحات، تعني فيما تعنيه، توحيد الفعل المقاوم والإفادة من جبهات القتال المجاورة لفلسطين، وتطويق الكيان بالنار حيث أمكن، بما يؤمن استمرار العمل المقاوم ومشروع المقاومة ،وتقاسم الجهد المادي والمعنوي والاقتصادي، والأدوار العسكرية، في غير جبهة٠
، ولعل أبرز التحديات التي تواجه وحده الساحات الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية وملاحقة المناضلين والمقاومين، في أكثر الجبهات إيلاما للعدو، وهي جبهة الضفة الغربية الملاصقة والمتداخلة مع تواجد الكيان ومستوطنيه، وهي جبهة رخوة عسكرياً بالنسبة للكيان الصهيوني، نظرا لطبيعتها الجيوسياسية ،وتطال عمق الكيان والمدن الكبرى٠
ولا يخفى على أحد أن قوى العدوان العالمي المساندة للكيان الصهيوني ما إنفكت تحاول ضرب عرى هذه الوحدة الميدانية، ومحاولة فصل الساحات، عبر الضغط السياسي تارة،ولعبة المفاوضات لاعطاء العدو المزيد من الوقت، وسط التلويح بمزيد من العدوان والتخويف بإرسال البوارج والأساطيل وعشرات المليارات من الدولارات كمساعدات عسكرية وتكنولوجية متطورة جدا للكيان، والتضخيم الإعلامي لقدراتها التدميرية بما يشبه الضربة الساحقة، وهو دور تلقفته بعض وسائل الإعلام العربية المعادية لمشروع المقاومة، وتبث سمومها، في محاولة لتثبيط العزائم، وبالتالي فإن التذكير بالأثمان البشرية والمادية التي ستلحق ساحات المقاومة، هي محاولة بائسة تقوم بها دول الغرب نيابة عن الكيان في محاولة لثني عزيمة المقاومة، وقد فشلت فيما قدمت له، وستفشل حتى في المفاوضات بين طرفي نقيض، لأن أساس مشروع المقاومة يقوم على الإيمان بالحق ونصرة مظلومية المستضعفين٠
فالحديث عن حرب إقليمية وتوسعتها إلى أبعد من إقليمية، لم تكن فكرة المقاومة، ولم تطرحها في أهدافها، ولم تسع إليها أبدا، بل هي فكرة مشروع قوى البغي والعدوان، تضخمها وتصنع لها سيناريوهات، وتمدها بأيد وأرجل، وهي لتبرير العدوان، وخلق مبررات السعي لنصرة الكيان الذي يشكل وليدهم الشرعي ٠
فالمقاومة لم تختر طريقها اعتباطيا أو ارتجالاً، إنما عبر تدقيق واعٍ ومخاض نضالي شاق وعسير استلزم 76 عاما من النضال والتضحية، صارعت من خلاله الكثير من المفاهيم والقوى، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه٠
وإذا كان المعسكر المعادي للأمة قد حفظ درس هزائمه، وما زالت راسخة في تاريخه ليس ابتداء من هزيمة المارينز والقوات الغربية من بيروت في ثمانينات هذا القرن الماضي ، وما ألحق فيه من قتلى في قاعدة عين الأسد في العراق، وصولاً إلى هزيمته في خليج عدن، وعدم قدرته على فتح باب الملاحة في البحر الأحمر، وكذا طوفان الأقصى في فلسطين، الذي غير العالم، وإذا ما أضفنا كل ما استخدمه المشروع المعادي من قتل وتدمير وإمعان في التهجير، حيث استخدم باعترافاته ما يقرب من 139,000 طن من المتفجرات، أي ما يعادل ستة أضعاف القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما اليابانية ،بحسابات الخبراء العسكريين فإن قوة التدمير الناشئة عما استخدم من قنابل وقذائف كفيل، أن يمسح غزة البالغة 365 كيلو متر مربع من الوجود، ويفني سكانها، ولكن انتصر الدم على السيف ، فوحدة الساحات هو الدرس وهو خير ما أنجبت الأمة في تاريخها المعاصر وهي مقدمة الانتصار في الملحمة الكبرى القادمة .