الكاتب: محمد الحمد
هل حمت أميركا قطر؟
هل حمتها اتفاقية الدفاع المشترك مع واشنطن؟
هل حمت قاعدة العديد، تلك القاعدة التي قدّمتها قطر على طبق من ذهب، وجهّزتها وموّلت تطويرها سنوياً بمليارات الدولارات، قطر نفسها؟
هل شفعت لقطر تريليونات الدولارات التي دفعتها للإدارة الأميركية، وبالذات في عهد ترامب، مرات ومرات؟
هل شفعت لها الهدايا التي أغدقتها على ترامب، وآخرها الطائرة الرئاسية الفاخرة؟
هل شفعت لها وساطتها التي انتهت إلى الإفراج عن عدد من الأسرى الصهاينة الذين يحملون الجنسية الأميركية، تحت عنوان “هدية” لترامب؟
هل حمتها أنظمة الباتريوت التي دفعت لها قطر المليارات، فإذا بها تصمت وتبقى عاجزة أمام صواريخ أصابت الدوحة نفسها؟
كما أنّ قطر لم تتمرّد، ولم تتجاهل دورها الوظيفي، ولم تتأخر في تنفيذ أوامر الأميركي، وكان دورها في الوساطة دائما وفق الموافقة الأميركية، فكلّ ذلك لم يشفع لها.
إننا سنبقى نكرّر مراراً وتكراراً: الأهمّ ليس مجرد ما حصل، بل العبرة في الدرس، فهل سيتعظ أصحاب نظريات “النأي بالنفس”، و”الوقوف على التل”، و”الاعتدال”، و”الوسطية”، والاعتماد على اتفاقيات أمنية أو علاقات مزيفة تُبنى على حساب الأوطان والكرامة ودماء الشهداء؟ وهل تنفع التنازلات إذا كانت لا تشفع عند أول امتحان؟
فمتى يصحو المعنيون؟ متى يتعظون؟ متى يستفيقون؟ أم أنّ السُحت قد غلب عليهم وأخذ منهم الكثير حتى أعماهم عن رؤية الحقيقة؟
ومن يُحسن الظنّ بالذين يقتلون النفس المحترمة والأطفال والنساء، ويطمئن إلى الكاذب والمنافق، أو يثق بوعود وقرارات أميركية، فذلك ليس قصور نظر ولا جهلاً فقط، بل هو حماقة وغباء مركب.
فالولايات المتحدة، ومن خلفها قوى “الدولة العميقة”، ماضية في مشروعها لتسليم المنطقة للكيان الصهيوني الشيطاني، تحت مسمى “إسرائيل الكبرى”، لتكون قاعدة ومنطلقاً للهيمنة على العالم.
وهذا الدرس لا يخص قطر وحدها، بل هو رسالة لكلّ شعوب المنطقة، وفي مقدمتها العراق، الذي يقف اليوم أمام تحديات مشابهة تستدعي استعداداً حقيقياً وموقفاً وطنياً جامعاً، فمن يريد أن يحمي بلده قولاً وفعلاً، لا بشعارات زائفة يرفعها المتردّدون الخائفون على مصالحهم الخاصة، فعليه أن يشرع فوراً في تعبئة عامة، لأنّ الخطر آتٍ، والعدو يتعارض وجوده مع وجودنا، وعليه فإنّ الاستعداد لتحديات جسام أمر لا مفرّ منه.
وقد أكدت المرجعية في خطاباتها، وبالذات في بياناتها الأخيرة في شهري محرّم وصفر، على هذا المعنى بشكل واضح وصريح.
كما يجب التصدي لحملة وعي شاملة، ومصارحة الناس بما يجري، ليكونوا على قدر المسؤولية، لأنّ الشعب هو الوحيد القادر، بعد الله عز وجل، على الحماية والدفاع.
فهذا الشعب الذي قدّم وضحّى من أجل الشرف والكرامة، ومن أجل النهج الحسيني المتمثل بـ”مثلي لا يبايع مثله”، و”هيهات منا الذلة”، هو شعب مستعدّ أن يمضي خلف مرجعيته التي وضحّت وحذرت، ولم يبق إلا أن يتحمّل المسؤولون والمعنيون دورهم في مشروع شامل يقوم على التعبئة والتوعية وتخليص العراق من الهيمنة الأميركية.
وهناك بالفعل حلول ومقترحات عملية قابلة للتنفيذ، وقد تحدثنا عنها سابقاً بشكل مفصل، وهي تعتمد على تقارير ودراسات رصينة، لكن ما تحتاجه قبل كلّ شيء هو إرادة حقيقية، والإرادة الحقيقية لا تُبنى على الأوهام ولا على الاحتماء بالوعود الأميركية، بل على الثقة بالشعب وبالمرجعية وبالقدرات الذاتية. عندها فقط نفهم أنّ كلّ ما عدا ذلك سراب، وانّ المتغطي بأميركا عريان…
الآراء الواردة في المقال لا تعبر الا عن رأي كاتبها