فايز أبو شمالة
كنت أتهم اتفاقية أوسلو بأنها الأب الشرعي للتنسيق الأمني بين المخابرات الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية، وكنت أحسب أن هذا العمل الأمني الكريه هو إبداع للعقلية الإسرائيلية التي تعودت التآمر والتحايل، حتى وقفت على الحقيقة حين راجعت تاريخ فلسطين، فاكتشف أن التنسيق الأمني امتداد للمدرسة السياسية البريطانية، التي احتلت فلسطين، وتآمرت على شعبها، ونظمت لخدمة المشروع اليهودي مجموعة من القيادات العربية، التي أتقنت فن التنسيق الأمني مع الجيش البريطاني، بهدف سحق كل عربي فلسطيني يفكر بمقاومة الاستعمار البريطاني، ومن ثم معاقبة كل من حاول مواجهة عدوان العصابات اليهودية.
فبعد نجاح ثورة 1936 في فلسطين، التي أرهقت الاستعمار البريطاني، وأرهبت العصابات اليهودية، نجح الإنجليز في تشكيل فصائل السلام الفلسطينية في النصف الثاني من عام 1938، وجمعت فصائل السلام الفلسطينية كل حاقد على ثورة 36، والمتضررين منها، أولئك الذين ارتبطت مصالهم مع الاحتلال البريطاني اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، والتحق بفصائل السلام الفلسطينية كل مَن وقع عليه عقاب الثورة خلال السنوات السابقة.
لقد سبق الجنرال البريطاني تشارلز تيغارت الجنرال الأمريكي دايتون المعروف بصناعة الفلسطيني الجديد، وتمكن تشارلز من إيجاد منظومةٍ شبه متكاملةٍ من المتعاونين لأجل القضاء على الثورة، وذلك بإنشاء مراكز عسكريةٍ للشرطة في المدن الرئيسة، وعلى الطرق، وفي المناطق الحدودية، وقد أطلق على تلك المناطق اسم “المقاطعة”، وكانت تشكل قلاعًا وحصونًا تحمي البريطانيين من هجمات الثوار، وتحمي قادة فصائل السلام الفلسطينية.
لقد أشرف الجنرال تشارلز على تسليح “فصائل السلام”، وتوفير الغطاء الأمني والإمداد العسكري لمواجهة فصائل الثورة والمنتسبين لها، وهذا ما قام به الجنرال الأمريكي دايتون بعد سبعين سنة، حين وفر الدعم المالي والعسكري لمنتسبي أجهزة الأمن، لقد نجح الجنرال البريطاني تشارلز في التحصن خلف فصائل السلام، وتمكن من خلق عدوٍ جديدٍ للثوار يسهل عليه مواجهتها وملاحقتها باسم السلام، وباسم الاتفاقيات الموقعة، وهذا العدو الجديد للثورة من داخل البيت، ويعرف مكامن ضعف الثوار، لأنه جزءٌ من طبيعة البلد، ويعرف أهلها.
فصائل السلام الفلسطينية وفرت الهدوء للمستعمر البريطاني، وأعطت الأمن للعصابات اليهودية لتواصل اغتصابها لأرض فلسطين، لذلك لاحقت فصائل السلام الفلسطينية الثوار في بيوتهم، واغتالتهم، وبلغ بهم التنسيق الأمني أن رافقوا الدوريات البريطانية في اقتحام القرى، وهم يلبسون على رؤوسهم أكياسًا تغطي وجهوهم، ولا يظهر منها إلا عيونهم، ليتعرفوا على المشاركين في الثورة ويُعتقلوا ويحاكموا ويُعدموا.