الكاتب: د. حسين موسى
جملة من الوقائع، تحدث متزامنة، وتشير الى ان القادم يمكنوضعه في مساقين:
فمن وجهة نظر الكيان الصهيوني، خلاصاً أزماته المتلاحقة، ومحاولة يائسة، لتغيير الموازين في الميدان .
ومن وجهة نظر المقاومة، فإنه درء العدوان، وزيادة في حشر العدو في أزمات متجددة ومتلاحقة، للدخول في المرحلة الثانية، من مراحل التحرير.
فما الذي يجري في الميدان؟.
لقد صرح الكيان الصهيوني، وعبر لسان المتحدث باسم جيش الكيان، ان المقاومة هي فكرة وايديولوجيا، والفكرة لا يمكن القضاء عليها، وهذه خلاصة الاعتراف بالهزيمة.
ولم يبق الأمر عند هذا التصريح ،بل امتد ليشكّل حالة تمرد داخل صفوف الجيش، وبروز تصريحات تؤكد أن القيادة السياسية، تمضي الى المجهول، في ظل غياب رؤية واضحة للحرب وما بعدها، وقد تنامى هذا التمرد بعد حملة الاستقالات من مجلس الحرب الصهيوني، وصولا لحل هذا المجلس، وتبادل الاتهامات بين أركان الحكومة اليمينية المتطرفة، والتي باتت من لون سياسي وحزبي واحد.
والأمر الثالث هو الاحترافية العالية التي أدارت بها قوى المقاومة معركتها، وادخال اساليب متطورة في التعامل مع العدو وقواته، مما زاد من عدد قتلاه، قياسا بالأشهر السابقة، مضافا الى ذلك القدره الهائله، في إدارة المكان والزمان في خضم التصدي لعدوان العدو ومخططاته، الذي بات منهكا، ينوء تحت
ضربات المقاومة، وهو ما زاد في عدم ثقته جيش العدو بقيادته.
لقد اعلن محور المقاومة، بوضوح أنه دخل في مرحلة متقدمة، من الصراع مع العدو، وتمكن من تغيير قواعد الاشتباك، وليس هذا فحسب، بل وجه رسالة مباشرة للعدو: ان المقاومة جاهزة وحاضرة في الرد على مسعى الاحتلال بالتحول إلى حرب إقليمية، سيكون هو الخاسر الأكبر فيها، اذ ان رقعة انتشار محور المقاومة تتحكم بكل المفاصل العملياتية وعلى اكثر من جبهة في ذات الآن.
وهذا مغزى الرسالة التي وجهتها المقاومة الاسلامية في لبنان، في الحديث عن قبرص.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأمريكية، عزمها تزويد الكيان الصهيوني بمساعدة عسكرية عاجلة بقيمة 18 مليار دولار، تتضمن طائرات اف 15، ونظم من الصواريخ، فهذا يعني موافقة أمريكية ،لتوسيع رقعة الحرب، رغم النفي الإعلامي، ومحاولة الاحتواء
لهذا التمدد ومفاوضة غير مباشرة للأطراف، بغرض تفتيت هذا المحور، وفصل معاركه.
فلماذا قبرص؟
فالكيان الصهيوني يفترض أن الحرب المقبلة، تستهدف المطارات والطائرات الصهيونية، وبالتالي يفكر العدو باستخدام المطارات والقواعد القبرصية، المطلة على لبنان وسوريا. وقد سبق العدو في الإعداد لهذا السيناريو بإجراء مناورات في الأجواء القبرصية، تحاكي هجوما على محور المقاومة، وهذه المناورات كما نقلت القناة 12 الصهيونية، تستهدف تجهيز المنظومتين الدفاعية والهجومية، للرد على اي هجوم.
وبمتابعة الأمر على الأرض، تبين أن الكيان الصهيوني قد اشترى ما مجموعه 35% من اراضي شمال جزيرة قبرص، ويمتلك ناصية التحكم الاقتصادي فيها، عبر شركات متعددة مركزها مدينة اسكيليه مثل شركات( ايفر جرين للانشاء- يورو كوست- سيزر دومينيكا).
فالكيان الصهيوني يدرك ان قبرص هي الحل الان، في ظل تنامي قوة ردع محور المقاومة، وقدرته على الوصول الى كامل تواجد الكيان على الخريطة
الجيو سياسية في فلسطين.
وقد استخدمت الإدارة الأمريكية الأراضي القبرصية، في نقل وسائل العدوان للكيان الصهيوني، وتجهيزها، ومنطلقا للإجلاء والإخلاء خاصة المرتزقة ،وتأهيلهم، ولعبت بريطانيا ايضا الدور نفسه، باعتبار جزيرة قبرص مرتكزا لتزويد الكيان بالمعدات العسكرية، والخبرات
التقنية، وكان لقبرص الدور الأهم في انطلاق الهجمات ضد المقاومة في خليج عدن والبحر الأحمر.
ومن هنا فإن تركيز الإدارة الأمريكية، على طائرات اف 15 يعني ان هذه الطائرات هي الأكثر ملائمة، لاستخدام البوارج والأساطيل، وحالات الطائرات، والمطارات الصغيرة، وقدرتها على المناورة كونها، اهم طائرة في سلاح البحرية الاميركية المارينز.
كما وتستطيع هذه الطائرة أن تقود العمليات العسكرية على مسافة 200 ميل من ارض المعركة الحقيقي.
وفي خطوة مماثلة فقد تم الاعلان، عن اقامة قواعد امريكية، واخرى للتحالف الغربي شرقي نهر الأردن، وتحديث القواعد العسكرية الموجودة هناك،
والتي كان لها الدور الأكبر في التصدي للتهديد الصاروخي البالستي، وسلاح المسيرات ضد الكيان الصهيوني من دول الإقليم.
اذا نحن أمام حالة تجييش، غير مسبوقة، في منطقة الصراع، ولعل الخطاب الإعلامي، لا يعبر الا عن الصورة المبسطة، لما يتم الإعداد له، حيث انتهى الكيان الصهيوني من إقرار خطة العدوان، وبدأ باتخاذ الخطوات على الأرض، عبر تحديد سقف عملياته في رفح والاستعاضة عنها بعمليات محدودة ومركزة، وعدم الاعتماد على القدرة البشرية التي لن تمكث في الميدان، بل تأخذ شكل الإغارة، واكبر مساحه للتدمير والقتل.
وربما لا نجانب الحقيقة، بالقول ان توسع العدوان بات ضرورة صهيونية، في ظل الهزيمة، التي مني بها الجيش الصهيوني، الذي لا يمتلك أي بديل أو خطة لليوم التالي في غزة، في وقت يقترب فيه هذا الكيان من الربع الساعة الأخيرة من النهاية، إذ يسود التململ، قيادة الجيش، المنهك من المعارك، وفقدان القدرة على المناورة العسكرية، في ظل ضبابية الأهداف التكتيكية لمفاصل المعركة، وعدم القدرة على التأثير، في اجتثاث
التهديد القائم في جبهة الشمال، و الجمر تحت الرماد في الضفة الغربية وحسابات أن تقلب عليه هذه الجبهة كل الموازين، إذ أن محور اشتعالها سيكون له تأثير كبير، في شل حركته في تعزيز الجبهات والوصل بين جبهة غزة الجنوبية ،وجبهة الشمال في الجليل.
وربما نشير في هذا السياق وبسرعة ،الى ما يجري في السودان وسعي البعض لإقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، لتكون مرتكزا في المعركة الإقليمية القادمة، كما لا ننسى محاولات شراء ميناء عدن والحاقه في اعادة تموضع
الكيان الصهيوني عسكريا وهذا ما سنقوم بتحليله لاحقا.
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني مختص بالشؤون الفلسطينية والصهيونية