الكاتب: د. حسين موسى
ربما يتم إعادة خيار شمشون في إعادة إنتاج التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وهو نموذج يشكل حلا لما يسمى (مشكلة الدولة اليهودية) في فلسطين.
وأمام غياب رؤية سياسية واضحة صهيونياً لما بعد الحرب،تشير الوقائع الميدانية، وحجم التدمير الذي يعادل أربعة قنابل نووية، مما ألقي على اليابان، نصبح امام اعادة أريحا التاريخية ،حيث جاءت على الحجر والبشر ، وهي خير مقاربة لما يجري.
فقد تزايدت حدة التصريحات التي تنتقد سلوك الحكومة الصهيونية تجاه العدوان على غزة، من الداخل الصهيوني على لسان قادة الجيش، وأجهزته الأمنية والعسكرية، وحتى على ما يسمى احزاب المعارضة السياسية، لحكومة نتنياهو، وسط دعوات لكفّ يدي نتنياهو، والدعوة الى انتخابات مبكرة، وهو لا يتعدى اللغط السياسي ومناورة وتضليل يراد منها صرف الانتباه عن حقيقة ما يجري ليصبح الحديث في القشور على حساب البذور .
وقد اشتكى قادة عسكريون صهاينة، من ضبابية الهدف الصهيوني في غزة، وعدم وضوح الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، خاصة لعدم وجود رؤية واضحة لليوم التالي، وهو اليوم المتحرك في الأجندة الصهيونية، إذ يتم رفض قبول المقاومة بالمجمل، لتكون ضمن أية قيادة وإدارة لغزة، وكذلك الأمر بما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، في ظل الحديث الصهيوني عن طرف ثالث فلسطيني.
الطرف الثالث الفلسطيني هو ما سبق أن تم طرحه، بما يشبه روابط القرى التي كان سائداً في الضفة الغربية ما قبل أوسلو، أي الاعتماد على شخصيات تمثل لجان الأحياء والمدن، لإدارة المدينة مدنياً، وتتبع لسلطة الاحتلال عسكرياً، وهو مشروع تم إنشاؤه مبكراً في غزة، التي أصدرت بيانات قاطعة برفضهم الانخراط في أي سلطة مع الاحتلال.
ولكن من المبكر جداً الجزم بالفشل المطلق لهذا المشروع، وهذه الورقة التي يتم تسويقها داخليا عبر مجموعات محمد دحلان الذي يلعب دورا رئيسيا في إنفاق الأموال لشراء الذمم ضمن الأحياء.
وقد يتم طرح دحلان ضمن مشروع شركة فلسطينية، أو طرف ثالث لإدارة معبر رفح ومنطقة فيلادلفيا، بدعم من بعض النظام الرسمي العربي، الخليجي تحديدا، حيث يقيم محمد دحلان والذي سبق ان تم استخدامه كرأس جسر لعبور المشاريع الصهيونية وهو المعروف بعدائه للمقاومة عبر تجربه 2005 التي ما زالت شاهداً على ذلك في غزة والانقلاب على حكومتها المنتخبة شرعيا.
وليس خافيا على أحد أن محمد دحلان يشكل نقطة التصادم ايضاً مع السلطة الفلسطينية المطرود منها، ومع المقاومة التي قاومته بالسلاح عندما تآمر على غزة والحكومة المنتخبة.
وما يدلل على هذا الامر هو الطروحات الصهيونية، والتعديلات، التي تم إدخالها على اتفاقية الإطار لما يسمى وقف النار في غزة، ولأجل هذا الأمر فقد أقام الجيش الصهيوني ممراً، على طول الحدود مع مصر ضمن أراضي غزة بطول 13 كيلو متر، يمتد من معبر كرم أبو سالم ،وصولا لشاطئ البحر، وأطلق عليه ممر( ديفيد) ليكون معبرا لحركة إدخال المساعدات لغزة، وفي ادارة الطرف الفلسطيني الثالث.
وهذا الممر تحت السلطة العسكرية الصهيونية المباشرة، اذ لا يُلزم العدو بأية اتفاقيات سواء مع السلطة الفلسطينية( اوسلو) او مع مصر( كامب ديفيد).
وهذا الأمر يتم ايضا في مدن الضفة الغربية ،عبر إنشاء ما يسمى مجالس مدنية، تتبع للإدارة المدنية الصهيونية، التي يقودها وزير المالية الصهيوني سموتريتش بقرار من حكومة العدو.
فالكيان الصهيوني واقعا اساساً أمام اربعة خيارات استراتيجية للحل:
الاول: هو الكيان اليهودي الديمقراطي ،وهذا يستلزم إشراك الجميع، يهوداً وعرباً في إطار كنيست، وحكومة، وهذا خيار يلغي هوية الكيان اليهودية .
الثاني: حل الدولتين وهو حل مرفوض صهيونياً، لأنه تقليص لحدود المشروع الصهيوني من المحيط الى الخليج، واعتراف بالشعب الفلسطيني، ما يشكل تهديداً للكيان النقي.
الثالث: الفصل العنصري جغرافياً، وقد تم العمل به عبر الجدار العازل.
الرابع: التطهير العرقي الذي يعمل على تصفية كل اعراق اخرى غير يهودية.
والملاحظ بالتجربة هو فشل الخيارات الثلاثة الأولى، ولم يبق إلا الخيار الاخير وهو التطهير العرقي.
ولعل نظرة الى مستوى العدوان الصهيوني على غزة، واستخدام القنابل شديدة الانفجار (موضع الخلاف ما بين الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني) من زنة 500 رطل، تظهر بوضوح أن هذا المستوى من القتل والتدمير غير المسبوق عالمياً، يشير إلى أن تطهيرا عرقيا يتم تنفيذه وابرز دلالاته:
1- مستوى غير مسبوق من القتل والاجرام يستهدف المدنيين وعدم وجود امان جغرافي لايوائهم.
2- تدمير البنى بشكل كلي وتحويلها الى مساحات فارغة يصعب إعادة بنائها.
3- سياسة التجويع والحصار التي تدفع الجميع للبحث عن لقمة العيش في غير منطقة خارج غزة المحاصرة، وبالتالي تسهيل دفعهم نحو الحدود مع البحر أو مصر.
4- اتهام المنظمات الدولية الانسانية بالإرهاب، وبالتالي عدم الموافقة على مشروعية عملهم الإنساني في غزة، مستقبلا لإغاثة الناس أو رعاية المؤسسات الطبية والتعليمية وغيرها. ما يشكل مزيدا من المعاناة على الشعب، وتركه فريسة الصلف الصهيوني ومخططاته الخبيثة. وانشاء كيانات تابعة لها لتكون البديل. كما يشكل إلغاء هذه المؤسسات الدولية خروجا من دائرة الرقابة المباشرة والشاهد الأممي.
5- الخوف من الانتقام، وهو ما يدركه العدو الصهيوني تماماً، اذ ان ما ستخلفه هذه المعركة في غزة، إنما سيكون جيلا كاملا ينخرط في إطار الانتقام عبر المقاومة .
وهذا الأمر ينسحب على الضفة الغربية، التي سبق للعدو الصهيوني أن صرّح بمشروع الإفراغ لأكبر عدد من المدن والقرى وخاصة المخيمات الفلسطينية.
ان دفع اكثر من خمس ملايين فلسطيني( 2.5 في غزة و2.5 في الضفة)، يشكل مخرجا للكيان الصهيوني تجاه ما يسمى الوضع الديموغرافي الناشئ، وحلا نحو الخلاص من غالبية فلسطينية تتوالد بنسب كبيرة.
اذا اليوم التالي لغزة صهيونيا، يعني سياسة التهجير والتفريغ، بعد تحويل غزة الى ارض غير قابلة للحياة، وهو تكرار لأريحا تاريخياً عبر خيار شمشون.
د.حسين موسى
كاتب وصحفي فلسطيني